تنحية خالد من قيادة الجيوش في عهد عمر بن الخطاب
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فيا أيها الأحبة! تولى عمر بن الخطاب ﵁ الخلافة بعد أبي بكر ﵁، وإذ بـ عمر يرسل على الفور كتابًا يهنئ فيه المسلمين بهذا النصر على أرض الميدان، وينعي إليهم وفاة أبى بكر ﵁، ويخبرهم بخلافته، ويأمر أبا عبيدة بن الجراح أن يتولى القيادة من جديد وأن ينحي خالدًا ﵁.
وقيل: إن الرسالة وصلت إلى خالد فأخفاها خالد بن الوليد حتى انتهت المعركة، وبعد انتهاء المعركة ذهب إلى أبي عبيدة ليؤدي إليه تحية الجندي إلى قائده.
وقيل: بأن الذي أخفى الرسالة أبو عبيدة حتى تنتهي المعركة، وبعد المعركة أخبر خالد بن الوليد؛ لنرى انتصارًا هو من وجهة نظري أعظم انتصارٍ لـ خالد بن الوليد مع كل هذه الانتصارات المذهلة التي حققها، ويتنازل خالد بمنتهى الإخلاص والحب عن القيادة التي سطر روعتها وانتصاراتها وعظمتها بيديه، يتنازل لأخيه الأمين أبي عبيدة بن الجراح، فليست العبرة من هو القائد، ولكن القضية أن تظل راية التوحيد خفاقةً عالية، سواء رفعها أبو عبيدة أو خالد أو عمرو أو شرحبيل، المهم أن تظل الراية عالية.
ألا فلنتعلم هذه الدروس يا قادة الجماعات الإسلامية، ويا أبناء الصحوة، ألا فلنعِ هذا الدرس درس التجرد لله جل وعلا، درس الصفاء والإخلاص والنقاء، فإنهم لا يبحثون عن زعامة، ولا يريدون صدارة، ولا يريدون قيادة، المهم أن يظل في الميدان يعمل خالصًا لله، سواء كان قائدًا مطاعًا أو جنديًا مطيعًا، ووالله لن تكون النصرة إلا بهذه القلوب المتجردة، إلا إذا صفت قلوبنا وتجردت أعمالنا لله جل وعلا.
وهكذا -أيها الأحباب- يرجع خالد بن الوليد بعد تنحيته عن القيادة بأمر عمر.
وأود أن أبين أمرًا -وإن كنت قد أطلت- شحنت به كتب التاريخ المزورة، وقد أسيء الظن بـ عمر ﵁، فنرى في كتب التاريخ من يقول: إن عمر قد عزل خالدًا ﵄ لضغينة في نفس عمر على خالد، أو لحقد قديمٍ بين عمر وخالد، أو لمنافسة خالد لـ عمر، وهذا كله كذب وافتراء وباطل، وشتان أن تكون هذه القلوب الصافية المتجردة بهذا الظن وبهذا الغبش، ويكفي أن نعلم أن رسول الله ﷺ قد قال في حق عمر: (لقد أجرى الله الحق على لسانه وقلبه) ووالله لقد كان عمر صريحًا واضحًا كالسيف الصارم البتار حينما عزل خالدًا ﵁، وأعلن ذلك على الملأ بقوله: [أيها الناس: إني لم أعزل خالدًا عن سخطٍ ولا عن خيانة، ولكني رأيت الناس قد فتنوا به، ووكلوا إليه، فخشيت أن يوكلوا إليه، فأردت أن أعلمهم أن الصانع هو الله جل وعلا] ليس النصر من عند خالد، انظروا إلى قلب عمر الذي تجرد وأزهر فيه مصباح التوحيد: [فأردت أن أعلمهم أن الصانع هو الله] ليس النصر من عند خالد ولا بيد خالد: ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران:١٢٦] .
هذه عبقرية عمر الفاروق، وهذا صدق عمر، وهذا توحيد عمر الذي رأى الناس يذهبون إلى الشجرة التي أخذ تحتها بيعة الرضوان، ورأى الناس يذهبون إليها ويتمسحون بها، فخشي عمر بن الخطاب أن يصل الأمر إلى حد الشرك فاجتثها من جذورها، ولما سئل عن ذلك قال: [خشيت أن يتكل الناس عليها وينسون الله جل وعلا] ذلكم هو عمر الفاروق ﵁ وأرضاه.
2 / 15