موقعة صفين بين علي ومعاوية
رجع علي بن أبي طالب إلى الكوفة لتبدأ فتنة أخرى حالكة في لقاء علي ﵁ مع معاوية؛ يوم أن صمم علي على أن يذهب بنفسه إلى الشام وشاور وأرسل رسالة إلى معاوية يطلب فيها البيعة، فقد بايع عليًا كل الناس وكل الولاة إلا معاوية ﵁.
فجمع معاوية رءوس الناس في الشام وعرض عليهم رسالة علي ﵁، فقالوا جميعًا: لا، لا نبايع عليًا إلا إذا قتل قتلة عثمان، أو سلمهم إلينا لنقتلهم، وخرج علي بنفسه واستعد أهل الشام ونشبت فتنة القتال مرة أخرى وإنا لله وإنا إليه راجعون.
! ودارت الحرب الطاحنة -سبحان الله! - ولما رأى أهل الشام أن الحرب ضروس رفعوا المصاحف على أسنة السيوف والرماح، وقالوا: نحكم بيننا كتاب الله، وقبل الفريقان تحكيم كتاب الله جل وعلا، قبل أهل العراق مع علي وقبل أهل الشام مع معاوية بعدما رُفع كتاب الله جل وعلا بينهما، واختار الفريقان حكمين، اختار علي: أبا موسى الأشعري، واختار معاوية: عمرو، ولقد قال الناس ما قالوا في مسألة التحكيم، وشبهوها بلعبة سياسية حقيرة قذرة لا تتم إلا في مؤتمر من مؤتمرات الكذب والبهتان، وقالوا في أبي موسى وفي عمرو كلامًا لا ينبغي على الإطلاق أن يقال في أشراف الناس فضلًا عن أصحاب رسول الله ﷺ، ولا يخلو كتاب من كتب التاريخ من هذه الأكذوبة الكبيرة، قالوا: لقد اتفق عمرو وأبو موسى على خلع علي ومعاوية، وهل كان معاوية خليفة أو ادعى الخلافة ليخلعه أبو موسى أو عمرو؟ كلا.
انظروا إلى مغالطات التاريخ، وإنما الذي حدث أن قالوا: بأن أبا موسى وعمروًا قالا: نخلع عليًا ونخلع معاوية ونترك الأمر شورى للمسلمين، هذا صحيح وهذا صدق وحق، ولكن البهتان يأتي، قالوا: فلما اتفقا على ذلك واجتمعا في الموعد المضروب بينهما، قال عمرو: تكلم يا أبا موسى، فقام أبو موسى فقال: لقد اتفقت أنا وصاحبي على أن نخلع عليًا ومعاوية، وعلى أن يترك الأمر شورى للمسلمين ليختاروا من يشاءون، فلما انتهى أبو موسى من بيانه، قام عمرو بن العاص وقال: لقد خلع صاحبي عليًا ومعاوية، أما أنا فإني أخلع عليًا وأثبت معاوية، ما هذا.
؟! هذا يليق بمؤتمرات الكذب والبهتان، يليق بألاعيب السياسة.
أما مع هؤلاء الأطهار الأبرار؛ فلا وألف لا، ولدينا من الأدلة الصحيحة من روايات الأئمة الثقات الأثبات ما ينفي ذلك الكذب والبهتان عن هؤلاء الأطهار الأبرار والأخيار الأعلام، واقرءوا ما رواه الإمام العلم الثبت الدارقطني بسنده الصحيح أن حضير بن المنذر ﵁ وأرضاه أرسله معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو ﵁ ليتحقق مما حدث، فذهب حضير بن المنذر ولقي عمروًا، فقال: يا عمرو ما الذي صنعتماه أنت وأبو موسى؟ -أتدرون ماذا قال عمرو؟ قال: أنتركه ونذهب إلى هذا الغدر والكذب الذي لا يليق بأصحاب رسول الله ﷺ فقال عمرو: ماذا ترى يا أبا موسى فقال أبو موسى ﵁ وأرضاه: أرى أن نخلع عليًا ومعاوية وأن يبقى هذا الأمر في النفر الذي توفي رسول الله ﷺ وهو عنهم راض، فقال عمرو: فما تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال أبو موسى الأشعري ﵁: أنتما إن طلب منكما، إن يستعن بكما ففيكما المعونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما، وانتهى الأمر.
أما هذه الأكاذيب والافتراءات فلا دخل لها إطلاقًا ولا وجود لها في عالم هؤلاء الأطهار، ليس معنى ذلك -أو لا يفهم من كلامي- أنني أقول: إن العصمة للصحابة! كلا، بل إننا على يقين أن منهم من قد زل باجتهاده! وهو اجتهاد مأجور عليه حتى وإن أخطأ؛ لأنه لا ينشد إلا الحق كما قال الأئمة الأعلام كشيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد وجميع أئمة أهل السنة والجماعة ﵏ جميعًا: إن كل فريق منهما قد اجتهد وهو مأجور على اجتهاده حتى وإن أخطأ، مع أننا نقول بيقين جازم مطلق بأن أولى الطائفتين بالحق كان عليًا ﵁ وأرضاه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
1 / 11