Secrets of the Lovers in Ramadan
أسرار المحبين في رمضان
ناشر
مكتبة التقوى ومكتبة شوق الآخرة
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م
ژانرها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 3
أسرار المحبين في رمضان
جمع وترتيب
محمَّد حسين يعقوب
مكتبة التقوى
مكتبة شوق الآخرة
1 / 4
حقوق الطبع محفوظة
١٤٢٦ هـ = ٢٠٠٥ م
رقم الإيداع / ١١٦٩٧٨
الترقيم الدولي xx-٨٤ - ٦٠٩٢ - ٩٤٤
مكتبة
سُوق الآخرة
هاتف
٣٢٨٧١٨٩ - ٠٢
٠١٠١٦٥٧١٧٣
دار
التقوى للنشر والتوزيع
شبرا الخيمة
هاتف: ٤٧١٥٥٠٦
٤٧٣١٨٢٤ - ٢٢٣١١٠٣
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: ١٠٢].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمَّد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فإخوتي في الله، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة؛ إني أحبكم في الله،
وأسأل الله ﷻ أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا
ظله، اللَّهم اجعل عملنا كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل
لأحدٍ غيرِك شيئًا.
1 / 7
أحبتي في الله ..
أجمل شيءٍ في هذه الدنيا أن يستعملك اللهُ ﷿ في الطاعة، الشعورُ أن الله ﷿ يستعملك في طاعته إحساس رائع يتملكك، حتى إنك لتكاد تشعر أن يدًا حانية تلمس خدك لتدير وجهك وتلفت نظرك إلى ما يرضي ربك، وتشعر بهذه اليد تُمسك بيدك بحنوِّ بالغ فيه قوة؛ لتقودَك وترفعك إلى عبادات وطاعات وقربات لم تكن لك علئ بال، وتستشعر هذه اليدَ حانيةً قويةً دافئةً في ظهرِك تمنعُك من التراجع، وتدفعك إلى المتقدم، تمنعك من السقوط وتُشعرك أنك مسنود.
سبحان الملك!!، واللهِ إنه لشعورٌ رائع حقًّا، إحساس الإنسان أنه مدفوعٌ لفعل الخير مشغولٌ به، تتفتحُ أمامه أبوابُ الطاعات وتُيسَّر له وُيعانُ عليها.
ولك أن تقارن بين هذا الإنسان وبين آخر كلما اتجه إلى طاعة تعسَّرت عليه وصُرِف عنها، وأينما التفت أخذت قلبَه وعينَه ويده ورجلَه معصيةٌ من المعاصي.
قال ابن القيم عليه رحمة الله: "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلا الله وحده، تحمَّلَ الله سبحانه حوائجه كلَّها، وحمل عنه كل ما أهمَّه، وفرَّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه؛ حمَّله الله همومَها وغمومَها وأنكادها!، ووَكَلَهُ إلى نفسه.
فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره، كالكير يَنفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بُلي بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦] " اهـ (١).
_________
(١) الفوائد (١٥٩) ط مكتبة المؤيد، تحقيقه: بشير محمَّد عيون.
1 / 8
فإذا سألت كيف أكون ذاك الأول، وأنجو من ذاك الثاني؛ قلتُ: إن الأمر يحتاج ابتداءً إلى رحمة من الله ﷾، فيجعلك من هؤلاء المرحومين، وينأى بك عن هؤلاء الخاسرين.
فإن قلت: ألا من سبيل للأسباب؟
قلت: بلى وارد، يحتاج ابتداءً إلى همةٍ عالية، ونيةٍ صحيحة، فإذا رأى الله ﷿ من عبده صدقَ النية، ووصل إليه من العبد عملٌ علىَّ، أخذ بيده إليه واعتنى به أشد من عناية الأب الشفيق بولده؛ فدبر له الأمور، وأصلح له الأحوال، قال الله ﷾: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٤ - ١٠].
يقول ابن القيم عليه رحمة الله: "المطلبُ الأعلى موقوفٌ حصولُه على همةٍ عالية ونيةٍ صحيحة، فمن فقدهما تعذر عليه الوصول إليه، فإن الهمة إذا كانت عالية تعلقت به وحده سبحانه دون غيره، وإن كانت النية صحيحة سلك العبدُ الطريقَ الموصلة إليه، فالنية تُفْرِد له الطريق، والهمةُ تُفرِد له المطلوب، فإذا تَوَحَّدَ مطلوبُه والطريقُ الموصلةُ إليه كان الوصول غايتَه.
وإذا كانت همته سافلةً تعلقت بالسفليات ولم تتعلق بالمطلب الأعلى، وإذا كانت النيةُ غيرَ صحيحةٍ؛ كانت طريقُهُ غيرَ موصلة إليه؛ فمدار الشأن على همة العبد ونيته وهما مطلوبه وطريقُه، ولا يتم إلا بترك ثلاثة أشياء:
الأول: العوائد والرسوم والأوضاع التي أحدثها الناس.
الثاني: هجر العوائق التي تعوقه عن إفراد مطلوبه وطريقه وقطعها.
الثالث: قطع علائق القلب التي تحول بينه وبين تجريد التعلق بالمطلوب (١).
_________
(١) الفوائد (٢٥٩).
1 / 9
ظهر لك الآن أيها الحبيب جملة الأسباب المطلوبة:
(١) جمعُ الهم، فلا يكونُ همُّكَ إلا رضا الله وحده.
(٢) همةٌ عالية ونيةٌ صحيحة.
(٣) هجر العوائد، وقطع العلاثق، وتخطي العوائق.
ثم إنك -أيها الحبيب المحب- إن كنت تستشعر ثقلًا، وصعوبة في الأخذ بالأسباب التي ذكرتها لك؛ فإن من رحمة الله بعباده وإكرامه لهم سبحانه أن هيأ لهم فرصًا ومناسبات في أيام زمانهم يكون الوصول فيها أسهل وتصبح الإعاناتُ مجانيةً للجميع، قال سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢]، فهناك مواسم ومناسبات يكون الوصول والدخول على الله ﷾ في هذه المواسم بمواهب وهدايا ولطائف في يوم أو ليلة بلمحةٍ خاطفة من خفايا لطفه سبحانه، قال رسول الله ﷺ: "إن لله في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل أحدكم تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدًا" (١).
من هذه المواسم شهر رمضان المعظم، أنعِم وأكرِم، بيومِ واحدٍ منه.
في أولِ ليلة من رمضان تُصَفَّد الشياطين، وتغلق أبواب النيران، وتفتح أبواب الجنان، ويأتي المدد من الله الرحمن، بأن يأمر مناديًا ينادي: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصِر، فإذا بك ترى الاستجابةَ السريعةَ في كل مكان، المساجد امتلأت بالمصلين، وسمعت من النوافذ والأبواب صوت الأذان والقرآن، كثرت الصدقات، وتنوقلت المصاحف، وتنافس الأئمة في ختام القرآن، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر.
_________
(١) أخرجه الطبراني (١٩/ ٢٣٣)، وحسنه الألباني (١٨٩٠) في "السلسلة الصحيحة".
1 / 10
فإذا بك في ساعة واحدة بمجرد رؤية الهلال ترى ثورة شاملة في حياة المجتمع كله، وتغييرًا عميقًا على كل صعيد.
*يا باغي الخير أقبل*
فرصة ثمينة نادرة فيها الرحمة والمغفرة ودواعيهما متيسرة، والأعوان عليها كثيرون، وعوامل الفساد محدودة ومردة الشياطين مصفدون، ولله عتقاء في كل ليلة، وأبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن؟، ولا يهلك علئ الله إلا هالك، ومن لم يكن أهلًا للمغفرة في هذا الموسم ففي أي وقت يتأهل لها، ومن خاض البحر اللُّجاج ولم يَطْهُر فماذا يطهره؟!
إذا الروضُ أمسى مُجْدِبًا في ربيعهِ ... ففي أيِّ حينٍ يستنيرُ ويَخصُبُ
وقد وضعت هذا الكتاب بين يديك إعانةً على الطاعة، وتحذيرًا من الغفلة، فاغتنم ما فيه واستعن بالله وأعن غيرك، ولن أعدِمَ منك دعوةً صالحة بظهر الغيب كل ليلة من رمضان، أستودعكم الله، وأنا أحبكم في الله.
وكتب
أبو العلاء
محمَّد بن حسين آل يعقوب
عفا الله عنه وغفر له ولوالديه وزوجاته وأولاده
والمسلمين والمسلمات
القاهرة: ليلة الجمعة، السابع والعشرون من رجب ١٤٢٦هـ
١/ ٩/ ٢٠٠٥ م
1 / 11
فضائل رمضان
الغنيمة الباردة
وفرص لا تعوض
1 / 13
فضائل رمضان .. وفرص لا تعوض
الحمد لله اللطيفِ الرءوفِ العظيمِ المنان، الكبير القدير الملك الديان، الغني العلي القوي السلطان، الحليم الكريم الرحيم الرحمن، الأول فالسبق لسبقه، المنعم فما قام مخلوق بحقه، الموالي بفضله على جميع خلقه بشرائف المنائح على توالي الزمان، ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
جلَّ عن شريك وولد، وعزَّ عن الاحتياج إلى أحد، وتقدس عن نظير وانفرد، وعلم ما يكون وأوجد ما كان، ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
أنشأ المخلوقات بحكمته وصنَعها، وفرق الأشياء بقدرته وجمعَها، ودَحَا الأرض على الماء وأوسعها، ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾.
سالت الجوامد لهيبته ولانت، وذلت الصعاب لسطوته وهانت، وإذا بطش ﴿انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ﴾.
*سبحانه*
يُعز ويذل، وُيفقر يُغني، ويُسعد وُيشقي، ويُبقي وُيفني، ويُشين ويُزين، وَينقض وَيبني، ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ﴾.
قدر التقدير فلا راد لحكمه، وعَلِمَ سِرَّ العبد وباطنَ عزمِه، ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾، ولا ينتقل قدمٌ من مكان، ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾.
مَدَّ الأرض فأوسعها بقدرته، وأجرى فيها أنهارها بصنعته، وصبغ ألوان نباته بحكمته، فمن يقدر على صبغ تلك الألوان، ﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ
1 / 15
وَالرَّيْحَانُ﴾، ثبتها بالجبال الرواسي في نواحيها، وأرسل السحاب بمياهٍ تُحييها، وقضى بالفناء على جميع ساكنيها، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ﴾.
من خدمه طامعًا في فضله نال، ومن لجأ إليه في رفع كربه زال، ومن عامله أربحه وقد قال: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾.
*سبحانه*
إلهٌ يثيب عباده ويعاقب، ويهب الفضائل ويمنح المناقب، فالفوزُ للمتقي والعز للمراقب، ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾.
أنعم على الأمة بتمام إحسانه، وعاد عليها بفضله وامتنانه، وجعل شهرها هذا مخصوصًا بعميم غفرانه، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾.
أحمده على ما خصَّنا فيه من الصيام والقيام، وأشكره على بلوغ الآمال وسبوغ الإنعام، وأشهد أنه الذي لا تحيط به العقول والأذهان ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ في السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ﴾.
وأن محمدًا ﷺ أفضل خلقه وبريته، المقدَّم على الأنبياء ببقاء معجزته، الذي انشق ليلةَ ولادته الإيوان، ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
وعلى أبي بكرٍ رفيقِهِ في الغار، وعلى عمرَ فاتحِ الأمصار، وعلى شهيدِ الدار عثمان، وعلى عليٍّ كاشفِ غَمِّهِ سيدِ الشجعان، ﴿تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾.
إخوتاه ..
جاء شهر الصيام بالبركات، فأكرم به من زائرٍ هو آت، كان النبي ﷺ يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فعن أبي هريرة ﵁ قال: كان النبي ﷺ يبشر أصحابه يقول: "قد جاءكم شهُر رمضان، شهرٌ مبارك كَتَبَ الله عليكم
1 / 16
صيامه، فيه تُفتَحُ أبوابُ الجنان، وتُغلق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم" (١).
قال بعض العلماء: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان، وكيف لا يبشَّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟!، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟!، كيف لا يبشر العاقل بوقت تغل فيه الشياطين؟!، فمن أين يشبه هذا الزمان زمان!!، وكان بعض السلف يدعو ببلوغ رمضان، فكان إذا دخل رجب يقول: "اللَّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
إخوتاه ..
جاء رمضان بما فيه من خيرٍ وبركة .. جاء رمضان يحمل البشريات للعاملين .. ويبهج بطيب أيامه قلوب المتقين .. جاء رمضان فرصةً للعابدين .. جاء رمضان ليغسل ذنوب التائبين النادمين .. جاء ليرفع في الجنة درجاتٍ المحبين الصادقين .. جاء رمضان إخوتاه فهل من مشمر؟! .. جاء رمضان فإليكم بعض مناقبه؛ لعلكم تَقْدُرُونَ الضيف قَدْرَه، لعلكم تعرفون مكانته وفضله:
أولًا: رمضان هو الشهر الذي اختاره الله واصطفاه ليكون ميقاتًا لنزول كتبه ورسالاته، فهو شهر الصلة بين الأرض والسماء، يُنْزِل اللهُ فيه كلامه، ويخاطب فيه خلقه، ويبث فيه نوره، ويوحي فيه إلى صفوة عباده، فأعْظِم به من شهر، سببُ الخير، ومنبعُ النور، ومنطلقُ الرحمة، ومهبطُ البركة من السماء إلى الأرض، فعن واثلة بن الأسقع عن رسول الله ﷺ أنه قال: "أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستٍّ مضَت من رمضان،
_________
(١) أخرجه الإِمام أحمد (٢/ ٢٣٠)، وصححه شعيب الأرنؤوط (٧١٤٨).
1 / 17
وأنزل الإنجيل لثلاثَ عَشْرةَ مضت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشر خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان" (١).
واختصه الله بصفة أخص بنزول أعظم كتاب لأعظم أمة، اختصه من بين الشهور بذلك فقال ﷻ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: ١٨٥]، فالقرآن العظيم الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور نزل في هذا الشهر العظيم الفضيل، فهل بعد هذه مَنقبَة؟!
ثانيًا: قال رسول الله ﷺ: "قال الله ﷿: كل عمل ابن آدم له، إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزي به" (٢)، استأثر الله ﷾ بالصيام لنفسه سبحانه من بين سائر الأعمال، ولهذا قال بعد ذلك: "إنه إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".
قال ابن عبد البر: كفى بقوله: "الصومُ لي" فضلًا للصيام على سائر العبادات، وقد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به"، مع أن الأعمال كلَّها له، وهو الذي يجزي بها، على أقوال: أحدِها: أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره، قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله، فأضافه إلى نفسه.
وقال أبو عبيد في غريبه: قد علمنا أن أعمال البر كلَّها لله وهو الذي يجزي بها، فنرى والله أعلم أنه إنما خص الصيام؛ لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شيءٌ في القلب؛ وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات، إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى على الناس.
_________
(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٠٧)، وحسنه الألباني (١٥٠٩) في "صحيح الجامع".
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري (١٨٥٠)، مسلم (١١٥١).
1 / 18
وكما هو معلوم أن كل ما نُسب إلى الله ﷿ نال شرفًا بذلك فهو أشرف الأمور، فنسب الله تعالى الكعبة بلى نفسه وهي أشرف الأماكن على الإطلاق، ونسب لنفسه شهر المحرم؛ فقال رسول الله ﷺ: "أفضل الصيام بعد رمضان صوم شهر الله المحرم" (١)، ونسب لنفسه الصوم فدل ذلك على أنه من أفضل الأعمال.
قال الحافظ ابن رجب -عليه رحمة الله تعالى: وقد كثر القول في معنى "الصوم لي" وذكروا فيه وجوهًا كثيرة، ومن أحسن ما ذُكِر فيه وجهان:
أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله ﷿، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام؛ لأن الإحرام إنما يُترك فيه الجماع ودواعيه من الطِّيب دون سائر الشهوات من الأكل والشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام، وأما الصلاة فإنه وإن ترك المصلي فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول، فلا يجد المصلي فَقْدَ الطعام والشراب في صلاته، بل قد نُهي أن يُصلي ونفسُه تَتُوق إلى طعام بحضرته حتى يتناول منه ما يُسَكِّن نفسه؛ ولهذا أُمر بتقديم العَشَاء على الصلاة.
وهذا بخلاف الصيام؛ فإنه يستوعب النهار كله، فيجد الصائم فَقْدَ هذه الشهوات، وتتوق نفسه إليها خصوصًا في نهار الصيف لشدة حرِّه وطوله؛ ولهذا روي أن من خصال الإيمان الصوم في الصيف، وقد كان رسول الله ﷺ يصوم رمضان في السفر في شدة الحر دون أصحابه، كما قال أبو الدرداء: كنا مع النبي ﷺ في رمضان في سفر، وأحدنا يضع يده على رأسه من شدة الحر
_________
(١) أخرجه: مسلم (١١٦٣).
1 / 19
وما فينا صائم إلا رسول الله ﷺ وعبد الله بن رواحة، وفي الموطأ أنه ﷺ كان بالعَرج يُصَبُّ الماءُ على رأسه وهو صائم من العطش أو الحر.
فإذا اشتد تَوَقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله ﷿ في موضع لا يَطَّلع عليه إلا الله، كان ذلك دليلًا على صحة الإيمان، فإن الصائم يعلم أن له ربًّا يطلع عليه في خلوته، وقد حَرَّم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة، فأطاع ربه وامتثل أمره واجتنب نهيه، خوفًا من عقابه ورغبًة في ثوابه، فشَكَرَ اللهُ تعالى له ذلك، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله؛ ولهذا قال سبحانه بعد ذلك: "إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي".
قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.
لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته قَدَّم رضا مولاه على هواه، فصارت لذتُه في ترك شهوته لله لإيمانه باطلاع الله عليه، وإيمانه بثوابه وعقابه، فصار ذلك أعظم من لذته في تناول شهوته في الخلوة إيثارًا لرضا ربه على هوى نفسه، بل المؤمن يكره ذلك في خلوته أشد من كراهته لألم الضرب، ولهذا تجد كثيرًا من المؤمنين لو ضُرب على أن يفطر في شهر رمضان لغير عذر لم يفعل؛ لعلمه كراهة الله لفطره في هذا الشهر.
وهذا من علامات الإيمان، أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكرهه، فتصير لذته فيما يرضي مولاه، وإن كان مخالفًا لهواه، ويكون ألمه فيما يكرهه مولاه، وإن كان موافقًا لهواه، إذا كان هذا فيما حُرِّم لعارض الصوم من الطعام والشراب ومباشرة النساء؛ فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حرم على الإطلاق، كالزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال أو الأعراض بغير حق، وسفك الدماء المحرمة؛ فإن هذا يُسْخِط الله على كل حال وفي كل زمان ومكان.
1 / 20
فإذا كَمُل إيمان المؤمن كره ذلك كلَّه أعظم من كراهته للقتل والضرب؛ ولهذا جعل النبي ﷺ من علامات وجود حلاوة الإيمان: "أن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله كما يكره أن يُلقى في النار" (١)، وقال الله ﷾ عن يوسف ﵇: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ [يوسف: ٣٣].
سئل ذو النون المصري: متى أحبُّ ربي؟، قال: إذا كان ما يكرهه أَمَرُّ عندك من الصبر، وقال غيره: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يكرهه حبيبك، وكثيرٌ من الناس يمشي على العوائد دون ما يوجبه الإيمان ويقتضيه؛ فلهذا كثيرٌ منهم لو ضُرِبَ ما أفطر في رمضان لغير عذر، ومن الجهال من لا يفطر لعذر ولو تضرر بالصوم جريًا على العادة، مع أن الله يحب منه أن يقبل رخصته، وقد اعتاد مع ذلك ما حرم اللهُ من الزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدماء بغير حق، فهذا يجري على عوائده في ذلك كله، لا على مقتضى الإيمان.
ومن عَمِلَ بمقتضى الإيمان صارت لذتُهُ في مصابرة نفسه عمَّا تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله، وربما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكرهه الله منه، وينفر منه وإن كان ملائمًا للنفوس كما قيل:
إنْ كانَ رضاكمْ في سَهَرِي ... فسلامُ اللهِ عَلى وَسَنِي
وقال الآخر:
عذابُهُ فيكَ عَذْبُ ... وبُعْدُهُ فيكَ قُربُ
وأنتَ عِندى كرُوحِي ... بلْ أنتَ منها أَحَبُّ
حَسبيِ مِنَ الحبِّ أنِّي ... لِمَا تُحِبُّ أحِبُّ
_________
(١) متفق عليه، البخاري (٥٦٩٤)، ومسلم (٤٣).
1 / 21
الوجه الثاني: أن الصيام سرٌّ بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره؛ لأنه مُركب من نية باطنة، لا يطلع عليها إلا الله، وتَرْكٌ لتناول الشهوات التي يُسْتَخفى بتناولها في العادة؛ ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة، وقيل: إنه ليس فيه رياء، فإن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله ﷿ حيث لا يطلع عليه غيرُ من أمره. أو نهاه؛ دل ذلك على صحة إيمانه.
والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سِرًّا بينهم وبينه، وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سِرَّا بينهم وبينه، بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه؛ حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادةٍ لا تشعر بها الملائكةُ الحفظةُ.
وقال بعضهم لما اطُّلِعَ على بعض سرائره، إنما كانت تطيب الحياة لمَّا كانت المعاملة بيني وبينه سرًّا، ثم دعا لنفسه بالموت، فمات.
المحبون يغارون من اطلاع الأغيار على الأسرار التي بينهم وبين من يحبهم ويحبونه.
وقوله: "ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي"، فيه إشارة إلى المعنى الذي ذكرناه، وأن الصائم يتقرب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من الطعام والشراب والنكاح، وهذه أعظم شهوات النفس، وفي التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد منها:
(أ) كسر النفس؛ فإن الشِّبَع والرِّي ومباشرة النساء تحمل النفس على الأَشَر والبَطَر والغفلة.
(ب) تُخَلِّي القلب للفكر والذكر؛ فإن تناول هذه الشهوات قد تُقسِّي القلب وتُغمِيه، وتحولُ بين العبد وبين الذكر والفكر، وتستدعي الغفلة.
وخلو الباطن من الطعام والشراب ينوِّر القلب ويوجب رقَّته وُيزيل قسوته ويخلِّيه للذكر والفكر.
1 / 22
(جـ) أن الغنيَّ يعرف قدر سعة الله عليه؛ بإقداره له على ما منعه كثيرًا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح؛ فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقة له بذلك يتذكر به من مُنِع من ذلك على الإطلاق؛ فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.
(د) أن الصيام يضيِّق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فتَسْكُن بالصيامِ وساوسُ الشيطان، وتنكسر سَوْرَةُ الشهوة والغضب؛ ولهذا جعل النبيُّ ﷺ الصومَ وِجاءً؛ لِقَطْعِه شهوةَ النكاح.
إشارة مهمة:
واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حَرَّم في كل حال، من الكذب، والظلم، والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ ولذلك قال النبي ﷺ: "من لم يَدَعْ قولَ الزور، فليس لله حاجةٌ في أن يدعَ طعامه وشرابه" (١)، في حديث آخر: "ليس الصيام من الطعام والشراب؛ إنما الصيام من اللغو والرفث" (٢)، وقال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام، وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقارٌ وسكينةٌ يومَ صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء، وقال النبي ﷺ: "رُبَّ صائمٍ حظُّهُ من الصيام الجوعُ والعطش، ورُبَّ قائمٍ حظُّهُ من القيام السهر" (٣).
_________
(١) أخرجه البخاري (١٨٠٤).
(٢) أخرجه ابن خزيمة (٢/ ٢٤٢)، وصححه الألباني (٥٣٧٦) في "صحيح الجامع".
(٣) أحمد (٢/ ٣٧٣)، وصححه الألباني (٧٥٩) في "صحيح الجامع".
1 / 23
وسِرُّ هذا: أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل، وإن كان صومه مجزئًا عند الجمهور بحيث لا يؤمرُ بإعادته؛ لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوضه دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به" اهـ كلام ابن رجب.
ولهذا المعنى والله أعلم ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار، ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل، فإن تحريم هذا عامُّ في كل زمان ومكان بخلاف الطعام والشراب، فكان إشارةً إلى أنَّ من امتثل أمر الله تعالى في اجتناب الطعام والشراب في نهار صومه، فليمتثل أمره في اجتناب أكل أموال الناس بالباطل فإنه محرم على كل حال، لا يُباح في وقت من الأوقات.
ثالثًا: المنقبة الثالثة من مناقب رمضان: فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، هذه من بركات الله سبحانه ورحماته وإكرامه لهذه الأمة فنحن أمة مرحومة، لَمَّا كانت هذه الأمة تتراوح أعمارها بين الستين والسبعين وقليلٌ منهم من يجاوز ذلك، أعطاها الله البركة في الأعمال، فالحسنة بعشر أمثالها، وقراءة حرف من القرآن بعشر حسنات، وليلة القدر في رمضان خير من ألف شهر .. هل تأملت هذا المعنى: خيرٌ من ألف شهر؟!، فوالله لا يُحرمُ خيرَها إلا محروم مخذول، وقيامها فيه غفران ما تقدم من الذنوب؛ فيالها من نعمة على المؤمنين سابغة.
تأمل معي: أنك لو قمت ثلاثينَ أو أربعينَ ليلةَ قَدْرٍ، كل ليلة ببضع وثمانين سنة؛ لصار عمرك أكثر من ثلاثة آلاف سنة، سبحان الملك!!، اللَّهم زدنا من بركاتك، اللَّهم وفقنا لقيام ليلة القدر ولا تحرمنا أجرها.
1 / 24
رابعًا: تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق فيه أبواب النار .. أخي في الله .. حبيبي في الله .. هل استشعرت هذا المعنى أيضًا: أن أبواب الجنة تكون مفتحة لطلابها وتغلق فيه أبواب الجحيم، وليست هذه المَنقبة لشهر آخر من المشهور، فاعرف شرف الشهر العظيم .. ولست أدري إن لم تدخل الجنة وهي مفتحة الأبواب متى تدخلها؟، وإذا كنت لا تنصرف عن النار وهي موصدة الأبواب، وترجع راغبًا عنها فمتى تنصرف؟! .. عفا الله عني وعنك.
خامسًا: في رمضان تُسلسل الشياطين .. تُغلُّ مردة الجن .. تصير فيه الشياطين مكبلة مقيدة تثبتها الأغلال وتعرقلها القيود، وكل هذا لتنطلق النفس حرةً طليقة في أجواء العبودية لله ﷻ، فماذا يمنعك من أن تكون رجلًا بذولًا فيه للخير وقد قُيدت الشياطين؟!
هكذا أزيلت حجتك، وأبطلت أعذارك، وأزيلت معوقاتك؛ فلا شيطان يوسوس لك، ولا ماردًا يحاربك ويحجبك؛ إنما هي نفسك الأمارة وتسويلها بالسوء، أقبل وتخلص من سلطانها، كفانا الله وإياك شرها.
سادسًا: قال رسول الله ﷺ "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجن وفلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر" (١) .. من أراد الطاعة في هذا الشهر الكريم فسبيلها سهلٌ ميسور، فأقبل بكل عزيمتك .. بادر بكل أشواقك .. ومن أراد معصية الله في هذا الشهر نودي: كُفَّ عن عصيانك واحذر ..
يا باغي الخير أقبل .. فإنك معان موفق مسدد ..
ويا باغي الشر أقصر- فإنك مخذول مكروه منبوذ مطرود ..
_________
(١) أخرجه الترمذي (٦٨٢)، وصححه الألباني (٧٥٩) في "صحيح الجامع".
1 / 25