Scientific and Medical Miracles in the Sunnah: Guidelines and Frameworks
قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه
ناشر
مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة
ژانرها
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فيبدو أنه مع ولادة هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة منذ بضع عشرة سنة بقرار من المجلس الأعلى العالمي للمساجد عام ١٤٠٤هـ قد حسم أمر الخلاف بين المؤيدين للتفسير العلمي والمخالفين له؛ بل وتقررت بعد تأسيس الهيئة عدة أمور منها ما يلي:
أولًا: العمل بمقتضى التفسير العلمي الذي تلاحظ فيه الحقائق الكونية شواهدَ لبيان النصوص وفق المنهج المقرر للتفسير.
ثانيًا: اعتماد أسلوب المقارنة الهادفة بين مدلولات النصوص الكونية في القرآن والسنة وما استقر من حقائق في آفاق الكون والإنسان والحياة - على نحو عام - لمعرفة مدى التطابق بينهما.
ثالثًا: الاتفاق على تسمية شواهد صدق الرسالة المحمدية، المستنبطة من توافق دلالة نص في قضية كونية مع ما اكتشف حديثًا من حقائق كونية مستقرة، بـ: "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة".
ولقد كانت هذه الهيئة تعمل على نحو مؤصل منذ تأسيسها؛ وذلك بجمع جهود العاملين في ميدان الإعجاز العلمي وتنسيقها، مع وضع المعايير الضابطة لهذه المسيرة البحثية المباركة.
والآن، وبعد انقضاء بضعة عشر عامًا على ولادة هذه الهيئة، وسيرها على ما اتفق عليه العلماء - الذين أصدروا القرار السابق الذكر - من
1 / 1
الأصول الضابطة لكل مناشطها، فقد انعقد اجتماع تمخض عن إجماع كل العاملين في هذا الحقل المبارك - من عموم الأقطار - على عدّ هذه الهيئة عالمية رائدة؛ لتحتضن وترعى كل ما تم إنجازه من قبل عموم الهيئات والجمعيات والمنتديات التي تستهدف خدمة كتاب الله ﷿ عبر إظهار لطائف الإعجاز العلمي، فكان القرار التاريخي الذي اتخذ في ٢٨/١/١٤٢٣هـ والذي ينص على تسمية هذه الهيئة: "الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة" وكان الهدف من ذلك تحقيق مزيد من التكامل بين جهود العاملين في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة؛ من حيث تبادل المعلومات وتنظيم مسيرة ضبط البحوث وتقويمها وتحكيمها لإجازتها، وغير ذلك؛ وبالتالي يسهل تخطي كثير من المتاعب، واختصار الجهود المبذولة مع تحقيق مبدأ الشورى في هذا الميدان لتحقيق أفضل النتائج.
لقد كان من أخطر التحديات السابقة أن جماعة من العلماء - الذين نظن أنه قد دفعهم الورع والغيرة على القرآن والسنة - كانت تنكر الإعجاز العلمي؛ بل وبالغ بعضهم فهاجم تلك المسيرة المباركة! ولكن بقيت تلك المسيرة ولله الحمد، ثم بدأ أولئك المتحفظون بمراجعة مواقفهم، إذ لاحظوا أن من يَرْعى مسيرة الإعجاز يحدوهم الورع كذلك، وتدفعهم الغيرة الإيمانية على نحو دائم إلى ضبط هذه المسيرة، وهذا هو المنهج الوسط والتوجيه الحميد غير المجحف، ولا المتعنت، والذي نأمل أن يبقى
1 / 2
وينمو لدعم الهيئة العالمية للإعجاز العلمي؛ كي تعمل بنشاط مؤصل ومنضبط.
وبين يدي كلامنا على القواعد والضوابط في مجال الإعجاز العلمي عمومًا - والطبي على وجه الخصوص - في أحاديث الرسول ﷺ يطيب لي أن أذكر بعض ثمرات البحوث في هذا الميدان والتي منها:
١- الأثر البالغ الذي تتركه في قلوب المسلمين، والذي يترجم بزيادة اليقين عندهم لدى رؤيتهم هذه الحقائق الباهرة؛ لأنها وردت على لسان النبي الأمي محمد بن عبد الله ﵊، وهكذا فإنها خير محرض للتمسك بالقرآن والسنة والاهتداء بهما.
٢- الرد العلمي الدامغ على الأفكار التشكيكية بصحة الرسالة المحمدية؛ حيث إن عرض تلك الحقائق التي أخبر عنها نبي أمي في زمن ليس فيه تقدم علمي، كما أنه ليس في المجتمع وكذا البيئة التي عاش فيها أية أثارة من علم في تلك الميادين الكونية. ولذلك فهذا الإعجاز يعدّ مجالًا خصبًا لإقناع المنصفين من العلماء بأن القرآن الكريم كلام الله حقًا، أنزله على رسوله ﷺ وحيًا، وإقناعهم أيضًا بصدق نبيه ﷺ فيما جاء به.
٣- الرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على أن الدين الإسلامي هو دين العلم حقًا؛ فمع إشادة الرسول ﷺ بالعلم - وترغيبه في تحصيله وتنويهه بفضل العلماء - قد ذكر كثيرًا من الحقائق العلمية وأشار إلى كثير من الأسرار الكونية مما هو موضوع العديد من التخصصات في آفاق الكون، ولم يستطع أحد إلى الآن أن يثبت وجود تعارض أي دلالة كونية
1 / 3
واردة في حديث شريف صحيح مع ما استقر من الحقائق العلمية اليوم وأنى له ذلك!!.
٤- إن الإعجاز العلمي يعد خير محرض لهمم المسلمين كي يتابعوا مسيرة البحث والتجريب والمقارنة وغير ذلك من وسائل الكشوف العلمية والتقدم المعرفي، وفي الوقت نفسه فإن ذلك يفضي إلى توسيع دائرة شواهد الإعجاز العلمي.
٥- كما أن هذا الإعجاز العلمي يعدُّ قناة آمنة ترفد بقية قنوات الدعوة إلى الله. والذي يتتبع أسباب دخول كثير من الناس في الإسلام - ممن كانوا نصارى أو بوذيين أو يهود - يجد بحق أن فريقًا منهم قد ابتدأ سيره إلى الحق؛ وانتهى به لإعلان شهادة الحق؛ من خلال معاينة لطائف الإعجاز العلمي.
٦- ولا شك أن ظاهرة الرجوع إلى دين الإسلام من قبل الذين كانوا قدمًا من الشاردين الغافلين، وهكذا إسلام غير المسلمين؛ فإن ذلك كله أثمر مع ازدياد يقين المسلمين بدينهم رجوعًا لحالة العزة في نفوس أبناء الأمة الإسلامية بعد الكبوة التي حصلت لهم عقب سقوط الخلافة الإسلامية وهيمنة الدوائر الاستعمارية عليهم.
٧- وهذا كله يذكرنا بالحقيقة التي لا تتخلف أبدًا؛ والتي أخبرنا عنها رسول الله ﷺ بقوله: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين
1 / 4
على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى يأتي أمر الله" (١) . ونقف هنا ثانية كي نشير هنا إلى أن الشبهات التي أثيرت حول التفسير العلمي - وكذلك ما سبق من التردد في مجال الإعجاز العلمي - إنما هي عند التحقيق منصبة في مجملها على البحوث غير المنضبطة؛ حيث وقع أصحابها في التسرع أو الغفلة عن بعض الضوابط المقررة. علمًا بأن مثل تلك البحوث لا تمثل إلا حالات شاذة مرفوضة؛ لذلك فإن الهيئة العالمية عندما تنظر في بحث من البحوث تضعه في مكانه على حسب قربه من تحقيق ما يشترط في البحوث أو بعده عن تلك الشروط والقواعد، ولذلك نرى أن البحوث في مآلها تكون على درجات ثلاث:
١- بحوث مجازة، وهي التي توافرت فيها شروط البحوث المطلوبة، وأخذ أصحابها بعين التقدير المحترزات كلها.
٢- بحوث لا تزال موضع النظر؛ لاستلزامها إضافات، ولاحتوائها على سلبيات تمنع من إجازتها.
٣- بحوث مرفوضة؛ لانخرام شرائط أساسية فيها، أو لعدم توافر المستلزمات البحثية الأساسية فيها.
ولقد ذكرنا آنفا أن الإعجاز العلمي يمثل شاهدًا إضافيًا على صدق رسول الله ﷺ، ويستوي في ذلك الحكم إن كان الإعجاز قرآنيًا أم
_________
(١) انظر سنن أبي داود ٣/ ١١.
1 / 5
بالسنة، ومن هنا فإن الادعاء بوجود إعجاز علمي لا يُسَلَّم به إلا بعد ثبوت تحقيق مناطه والذي يتمثل بحقيقتين هما:
أولًا: ثبوت اكتشاف هذه الحقيقة من قبل العلماء بشكل مستقر وذلك بعد برهنة المتخصصين في مجالها على ثبوتها.
ثانيًا: صحة الدلالة على تلك الحقيقة في نص من نصوص السنة المطهرة، وذلك دون تكلف أو اعتساف في الاستدلال. علمًا بأن الرابط الذي يعطي هذا المناط قيمته هو عدم إمكان إحاطة البشر بتلك الحقيقة وقت التنزيل؛ ولذلك فإن خطوات إثبات شاهد من شواهد الإعجاز العلمي في حديث شريف تصبح خمسة وهي:
١- إثبات وجود دلالة في النص على الحقيقة الكونية المراد إثبات وجود إعجاز علمي بصددها.
٢- ثبوت تلك الحقيقة الكونية علميًا بعد توافر الأدلة التي تحقق سلامة البرهنة عليها.
٣- ثبوت استحالة معرفة البشر بتلك الحقيقة الكونية وقت تنزيل القرآن على نبينا محمد ﷺ والتي اكتشفت لاحقًا في الأزمنة المتأخرة.
٤- تحقق المطابقة بين دلالة النص من كتاب الله ﷿ أو من سنة رسوله محمد ﷺ وبين تلك الحقيقة الكونية.
٥- ثبوت أن النص من السنة المطهرة الذي نستنبط منه الإعجاز العلمي المشار إليه، هو صحيح أو حسن، إذ لا يعتمد في هذا المجال الأحاديث الواهية أو الساقطة.
وهكذا نلاحظ في هذا الميدان أننا نعالج ما نسميه: استنباطًا من النص. وهذا يملي علينا التزام منهج علماء الأمة في تفسير القرآن الكريم،
1 / 6
وبالتالي فإن هذا يقتضي منا بيان القواعد الأساسية في هذا المجال والتي لابد من التقيد بها. وكذلك فإننا للتدليل على ثبوت الحقيقة الكونية لا بد من التقيد بالمناهج العلمية المقررة في هذا المجال. ومن هذا المنطلق نرى أن هناك ناحية أساسية في هذا الميدان تتمثل في وجوب التقيد بمعالم تلك المنهجية في هذا السبيل مع عدم الخروج عن مستلزمات الموضوعية، كما أن هناك مواصفات يلزم مراعاتها في الشكل الذي تكتب فيه البحوث: من سلامة اللغة وجودة السبك وحسن العرض ووضوح العبارة ومراعاة علامات الترقيم وغير ذلك مما نبسط فيه الكلام في الصفحات التالية والتي سيأتي الكلام فيها حسب العناوين الآتية:
أولًا: معالم المنهج المقرر في تفسير النصوص ومعه المحترزات الواجب مراعاتها في التأويل عند اللزوم.
ثانيًا: خلاصة لأهم معالم المنهجية المطلوبة في كتابة البحوث العلمية ومنها بحوث الإعجاز العلمي.
ثالثًا: بعض المحترزات البحثية في مجال الإعجاز الطبي؛ والتي يراد منها أن تكون معالم تحفظ الباحثين من الابتعاد عن المنهج القويم.
وبين يدي إيراد ذلك نعرض لنموذجين من نصوص السنة المطهرة الخاصة بموضوعات بحوث خضعت لتجارب معملية وسريرية، فثبت بدلائل علمية اشتمالها على لطائف من الإعجاز الطبي؛ وترافقها خلاصة لما توصل إليه العلماء في تلك الموضوعات بعد التجريب والبحث والتمحيص.
1 / 7
قواعد تناول الإعجاز العلمي والطبي في السنة وضوابطه
أ. د. عبد الله بن عبد العزيز المصلح
بسم الله الرحمن الرحيم
نماذج الإعجاز الطبي في نصوص السنة المطهرة
النموذج الأول: إرشاده ﷺ لتناول الحبة السوداء شفاءً من الأمراض
أولًا: نص الحديث الشريف:
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: " في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام " (١) .
ثانيًا: معاني المفردات:
الحبة السوداء: الشونيز أو الكمون الأسود أو حبة البركة.
السام: الموت وقد يطلق على مرض الموت.
ثالثا: مجمل دلالات النص الشريف:
* هذا الحديث الشريف يرشد إلى أهمية تعاطي الحبة السوداء، وأنها تصنف مادة علاجية.
* الحبة السوداء بمفردها قد تشفي كليًا من بعض الأمراض.
* الحبة السوداء تقوي قدرة المريض على مجابهة العوامل الممرضة، وترفع كفاءة الجسم على نحو عام.
_________
(١) رواه البخاري ومسلم وابن ماجه عن أبي هريرة ﵁ وانظر جامع الأصول ٨/٣٢٤، ٣٢٥.
1 / 8
* حدود الاستطباب في الحبة السوداء واسعة ومتعددة عدا مرض الموت.
رابعًا: المعطيات العلمية:
من خلال التجارب والأبحاث المعملية والإكلينيكية تم إجراء عدة بحوث من قبل د. أحمد القاضي - بمدينة بنما سيتي بأمريكا في مختبرات عيادات أكبر - على علاقة الحبة السوداء ببعض جوانب المناعة، إذ توصل إلى نتائج إيجابية يمكن أن نستخلص من تلك الأبحاث ما يأتي:
* تناول الحبة السوداء يفضي إلى الشفاء في كثير من الأمراض.
* تستعمل الحبة السوداء مع غيرها من العقاقير وتكون النتيجة مزيدًا من الشفاء لمزيد من الأمراض.
* تشفي نسبيًا كذلك - إذ تتحسن حالة المرض بتناولها - من أمراض أخرى إضافة لما سبق.
* كما أنها ترفع كفاءة الجهاز المناعي لجسم المريض، ويعد هذا نوعًا من أنواع الشفاء كذلك (١) .
* ولملاحظة الفرق بين كيفية الاستشفاء قديمًا وحديثًا نلاحظ هذه القطوف من بعض المراجع الطبية:
أ) الاستطبابات بالحبة السوداء عند الأقدمين:
ورد في كتاب "الأربعين الطبية" للبرزالي ما خلاصته: "يذكر خالد
_________
(١) انظر النشرة التي أصدرها مجمع عيادات أكبر في بنما سيتي تحت إشراف د/ أحمد القاضي.
1 / 9
ابن سعيد لنا بأنه خرج مع غالب بن أبجر، فمرض غالب في الطريق. فلما وصلا المدينة المنورة عاده ابن أبي عتيق فقال لهم: "عليكم بهذه الحبة السوداء فخذوا منها خمسًا أو سبعًا فاسحقوها ثم قطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب وفي هذا الجانب" هذه القصة يرويها البرزالي في الأربعين الطبية.
ثم يقول: " قال الشيخ: الشونيز هو الكمون الأسود ويسمى الكمون الهندي ومنافعه كثيرة وهو حار يابس في الدرجة الثالثة يجلو ويقطع ويحلل ويشفي من الزكام إذا قلي وصُرَّ في خِرْقة، وشم دائمًا ويحلل النفخ غاية إذا ورد من داخل البدن، ويقتل الدود إذا أكل على الريق. وإذا وضع على البطن من خارج لطوخًا كذلك، ودهنه ينفع من داء الحية ومن الثآليل والخيلان، وإذا شرب منه مثقال بماء نفع من البهر وضيق النفس، ويدر الطمث المحتبس، والضماد به ينفع من الصداع البارد وإذا نقع منه سبع حباتٍ عددًا في لبن امرأة ساعةً وتسعّط بها صاحب اليرقان نفعه نفعًا بليغًا.... وإذا طبخ بخل وخشب الصنوبر نفع من وجع الأسنان، وإذا شرب في الحساء أدرَّ الطمث والبول واللبن. وإذا شرب بنطرون شفى من عسر النفس، وينفع من نهش الرُّتَيْلا ودخانه يطرد الهوام وخاصيته إذهاب الجشاء الحامض والكائن عن البلغم والسوداء " (١) .
_________
(١) انظر الأربعين الطبية ص ٥٤.
1 / 10
ويقول الدكتور كمال الدين حسن البتانوني في كتابه "نباتات في أحاديث الرسول ﷺ " ما يلي: " إن الشونيز ينفع من البهق والبرص طلاء بالخل ويسقى بالعسل والماء الحار للحصى في المثانة والكلى، ووصفه ابن قرة في كتاب الذخيرة في الطب ضمن أدوية مركبة لأمراض الدماغ وضعف المعدة كما وصف دهنه (زيت الشونيز) في العلاج " (١) .
ويزيدنا الأستاذ أحمد قدامة عن فوائد الحبة السوداء فيقول: "واستعمالها مع الزيت كل يوم يحمر الألوان ويصفيها وإذا شربت مع الزيت واللبان الذكر أعادت قوة الماء بعد اليأس وإدمان شربها يدر البول والطمث واللبن ويستخرج من بذورها زيت يوضع منه بعض نقط على القهوة فتهدأ الأعصاب ويفيد للسعال العصبي والنزلات الصدرية وينبه الهضم ويدر اللعاب والبول والطمث ويطرد الرياح والنفخ" (٢) .
ب) الاستطباب بالحبة السوداء في العصر الحديث:
يذكر لنا الدكتور محمود ناظم النسيمي عن بعض التجارب والنتائج العلمية في مجال الاستفادة من الحبة السوداء في الطب الحديث فيقول في كتابه الطب النبوي والعلم الحديث ما يلي: "وقد تمكن أخيرًا فريق من الباحثين في جمهورية مصر العربية وعلى رأسهم الدكتور محمد المحفوظ، والدكتور محمد الدخاخني في فصل المركب الفعال لهذا الزيت في حالة
_________
(١) انظر ص ١٢١ من كتاب البتانوني - نباتات في أحاديث الرسول ﷺ.
(٢) انظر ص ١٦٥ من كتاب أحمد قدامة - قاموس الغذاء والتداوي بالنبات.
1 / 11
نقية وخالية من التأثيرات المهيجة للأغشية، كما أثبت هؤلاء الباحثون خلو المركب من أي تأثير سام أو ضار وسموه (Nigellone) نسبة إلى نيجللا من الاسم العلمي للحبة السوداء (Nigellasativa) ولقد حُضِّرَ هذا المركب في شركة مصر للمستحضرات الطبية بشكل نقط، ولكن لوحظ أن بعض الحالات لا تستجيب بشكل مُرْضٍ للنقط، ولذلك تم تحضيره ثانية بشكل أقراص مما يساعد على ثبات المركب نظرًا لجفافه وإمكان إعطائه بجرعات عالية.
يعطى الأطفال٥ - ١٠ نقط × ٣ مرات يوميًا بعد الطعام.
يعطى الكبار١٠ - ١٥ نقطة × ٣ مرات يوميًا بعد الطعام.
أو قرص واحد × ٣ مرات يوميًا بعد الطعام.
وقال أولئك الباحثون:" إن الأدوية الجديدة الفعالة في الربو مثل زمرة مقلدات ومنبهات الودي، وكذلك نظائر القشر الكظرية " لا يمكن إعطاؤها بحرية لمرضى الربو المزمنين من ذوي الضغط المرتفع ولذا فإن أي دواء لا يحمل في طياته مواد سامة نحن بأمس الحاجة إليه" (١) وذكر بعد ذلك أن الحبة السوداء في قوتها المضادة للجراثيم يمكن اعتبارها من زمرة المضادات الحيوية فقال: " لقد وجد الدكتور حفاظ جنيد - دكتوراه كيمياء حيوية - أثناء تجاربه على العصيات الدقيقة أن هذه
_________
(١) انظر الطب النبوي والعلم الحديث (٣/٢٦٤) للدكتور محمود ناظم النسيمي.
1 / 12
الأنواع من الجراثيم لا تستطيع النمو في وسط غذائي يحوي على الحبة السوداء مما يدل على أن الحبة السوداء تحوي مضادات حيوية أوقفت نمو هذه الجراثيم " (١) وأشير هنا إلى صدور كتاب في هذه الأيام حول التداوي بالحبة السوداء (٢) وقد ذكر فيه مؤلفه أنواعًا عدة للاستطباب بها. ولعل الله يفتح على قلوب الأطباء المسلمين ليعرفوا أكثر وأكثر من تلك الطرائق الاستطبابية؛ لها حتى تتبين لهم الحقيقة بشكل لا خفاء فيها بأن "في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا الموت" فتخبت أفكارهم وقلوبهم للخبير العليم البصير خالق الحبة السوداء والذي أخبرنا بتلك الحقيقة على لسان رسوله محمد ﷺ قبل أربعة عشر قرنا.
ولقد أشرت إلى التجارب الناجحة التي أجريت في عيادات أكبر في بنما سيتي بالولايات المتحدة الأمريكية وبإشراف الدكتور أحمد القاضي، إذ أعطت نتائج باهرة تتفق مع ما توصل إليه العلماء في مصر وغيرها مما لا داعي للإطالة بذكره (٣) .
_________
(١) انظر ص ٢٦٥ من المرجع السابق.
(٢) بل عدة كتب منها ما أشرت إليه وهو للأستاذ: طيب عبد الله الطيب - الشفاء في الحبة -.
(٣) انظر ما أصدره مجمع عيادات أكبر في بنما سيتي في هذا الشأن.
1 / 13
النموذج الثاني: ارشادات النبي ﷺ
مدخل
...
النموذج الثاني:
إرشاد النبي ﷺ لمن ابتلي بمرض عرق النسا أن يأخذ ألية شاة أعرابية بعد إذابتها على ثلاث دفعات.
نص الحديث الشريف:
عن أنس بن مالك قال: قال ﷺ: " شفاء عرق النَّسا ألية شاة أعرابية تذاب ثم تجزأ ثلاثة أجزاء ثم يشرب على الريق في كل يوم جزء " رواه ابن ماجه في سننه (١) .
لقد جرب الكثيرون هذه الوصفة النبوية كما أرشد لها الرسول ﵊ فتحقق لهم الشفاء وكانت تلك التجارب تحصل في بقاع عدة وفي أزمنة متتابعة.
التجارب السريرية:
قام الدكتور زهير بن رابح قرامي؛ وهو طبيب متخصص في مجال أمراض الروماتويد والروماتيزم - وهو يعمل حاليًا في مستشفى خاص رئيسًا لقسم العلاج الطبيعي - بمعالجة بعض من ابتلى بعرق النسا، فتحقق له أن تناول هذه الألية بالكيفية التي أرشد لها الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام قد أفضى لنتائج طيبة؛ ولذلك فإنه قد أنجز بحثا
_________
(١) رواه ابن ماجه في سننه (رقم ٣٤٦٣) . قال البوصيرى: «إسناده صحيح، رجاله ثقات» كما نقله محقق السنن.
1 / 14
بعنوان "علاج عرق النسا بألية شاة أعرابية" إذ ذكر فيه آلية الاستشفاء بألية الشاة الأعرابية، وكيف أن هذه الألية تحتوي على مجموعة من الدهون منها نوع مفيد جدا في هذا المجال اسمه (اوميغا ٣) . كما أنه يذكر بعض الحكم التي يشير إليها الرسول ﷺ عندما يرشد إلى اختيار الشاة الأعرابية، وأن يتم تناولها شربا بعد الإذابة وأن يتم ذلك على ثلاث دفعات كل يوم دفعة؛ مبينًا كذلك ما الذي يحدث لدهن الألية عند امتصاص الأمعاء لها وبخاصة لدى تناولها على الريق. وقد شفع بحثه بشهادات بعض الذين حصل لهم الشفاء بتعاطي هذه الوصفة النبوية.
وخلاصة ما ذكره الدكتور زهير قرامي قوله في ص ٣٠- ٣٨ من بحثه: «للدهن نوعان معروفان في أمراض القلب مثلًا: نوع مفيد وهو HDL ذو الكثافة العالية ونوع ضار LDL ذو الكثافة المتدنية، والحكم بأن الدهون مطلقًا هي ضارة أمر لم يعد أمرًا مسلمًا به، وهذا المبدأ أصبح ساريًا أيضًا في علاج أمراض الجهاز الحركي والتهاب المفاصل وغيرها.
إن ألية الشاة تمثل جرعة علاجية ممتازة بما تحتوي من المنافع المتعددة والتي تحقق الشفاء مع عدم احتوائها على ضرر أو مضاعفات. هذا من ناحية التكوين الكيميائي والمواصفات العامة لها. وفي الوقت نفسه لاحظنا أن تناولها على الريق يجعل وصولها للأمعاء في أنسب وقت ومن ثم وجود الدهون النافعة مثل حامض اللينولينك في قناة الأمعاء في موضع ممتاز حيث يسمح لحامض اللينولينك بالاستفادة من الأنزيمات التي تساعده على صنع "البروستجلاندين" المفيد. وفي الوقت نفسه يكون سائل المرارة
1 / 15
ومخزون الليباز في حالة تركيز مقو، ويتمتع بفاعلية كبرى وهذا يتيح له تحليل الدهون مهما كانت كميتها. كما أن القدرة على الامتصاص محدودة بهذه الكمية من سائل المرارة مما يمنع الامتصاص غير المحدود لأي كمية من الدهون مهما كانت.
إذن فشرب تلك الجرعة من الألية المذابة تعني تحقيق هذه الفوائد إذا كان التناول لها على الريق، من دون سبق تناول شيء من الأطعمة والأشربة. وخلاف ذلك يعني تفويت الفرصة على المريض وربما لا يصل إلى الغاية المرجوة (١) .
ولذلك فإنه يقول في بحثه المذكور: " إن هذا البحث فيه نموذج للإعجاز العلمي؛ وذلك لأن من المعروف للقاصي والداني أن بيئة الجزيرة العربية كانت تكتسي - على العموم - رداء الغفلة عن العلم، كما أن مجتمع مكة المكرمة كان مجتمعًا أميًا. ثم إن رسول الله ﷺ كان بعيدًا كل البعد عن ساحات الخبرة العلمية؛ لذلك فإن ورود إرشاد طبي بصيغة الحكم الجازم - وبدون تردد - في قضية تحتاج في تشخيصها إلى أدوات دقيقة كانت منعدمة في زمن تنزيل القرآن الكريم؛ كل ذلك يقوم شاهدًا على أن مصدر هذا الإرشاد هو الخالق لهذا الكون، وأن هذا الإرشاد يمثل عَلَمًا من أعلام صدق نبوة محمد ﷺ (٢) .
_________
(١) - انظر كلام د. زهير قرامي في بحثه – علاج عرق النسا بألية شاة أعرابية – ص٣٠-٣٨.
(٢) انظر ص ١٦ من بحث الدكتور زهير قرامي سابق الذكر.
1 / 16
والآن! وبعد أن تأملنا هذين النموذجين نعود إلى استجلاء تلك القواعد الأساسية في مجال ضبط بحوث الإعجاز الطبي في السنة المطهرة فإلى الأساس الأول:
أولًا: أهم معالم المنهج المقرر في تفسير النصوص الحديثية
نلاحظ أن الأسس والقواعد الواجب مراعاتها في تفسير القرآن الكريم هي النبراس في تفسير النصوص عموما؛ ونجملها فيما يلي:
أولًا: يلزم معرفة ما يتعلق بالنص من سبب الورود وهل هو خاص أو عام أو مطلق أو مقيد أو منسوخ أو غير ذلك؟
ثانيًا: يلزم الإطلاع: هل ورد نص آخر يفسره؛ إذ تفسير النص من الوحي،- والسنة من الوحي - أولى بالاعتبار؛ لذلك نقدّم وجوه التفسير الواردة في السنة على ما دونها.
ثالثًا: مراعاة العرف اللغوي في زمن التنزيل دون المعاني التي كثر تداولها فيما بعد، مهما بلغ انتشارها فيما بعد.
رابعًا: مراعاة قواعد الإعراب والبلاغة وأساليب البيان المقررة ليتم فهم أبعاد معاني النصوص.
خامسًا: ملاحظة سياق النص وسباقه ومقتضيات الحال وغير ذلك من القرائن
سادسًا: التأكد من وجود إشارة واضحة، على ما ندعي بأنه من معاني النص الذي نحن بصدد بيانه وتفسيره وتحديد الإشارة العلمية على نحو صحيح.
1 / 17
سابعًا: مراعاة أوليات الاعتبار في الاحتجاج بالمعاني، فالنص المحكم أولى من الظاهر، وظاهر النص أولى من المعنى المستقى بطريق التأويل، ومنطوق النص مقدم على مفهومه، كما أن بعض المفاهيم مقدم في الاعتبار على بعض؛ ولذلك يلزم عدم التسرع في ترجيح وجه تفسيري دون مرجح له شأنه.
ثامنًا: ملاحظة أسلوب النص وصياغته هل هو عام؟ وهل هو مطلق؟ وهل هو مجمل؟ وهل تشترك فيه معان عدة أو لا؟ وهل يحتوي دلالة على حقيقة علمية لا يمكن تعارضها مع العرف اللغوي الذي قد يقدم في الاعتبار أو هناك احتمال آخر.
تاسعًا: عند التأويل للنص لا بد أن يكون هناك ما يقتضي ذلك ويلزم عندئذ إعمال القواعد المعتبرة عند أئمة الأصول والتفسير من مثل قولهم:
- العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب.
- إعمال الكلام أولى من إهماله.
- لا عبرة بالظن غير الناشئ عن دليل.
عاشرًا: اعتماد المعاني المقررة للحروف التي تسمى حروف المعاني، كما قررها الأئمة الأعلام.
حادي عشر: البعد عن تأويل المتشابه وكذا الخوض في القضايا السمعية، مما لا يخضع للنشاط الذهني؛ بل يعتمد على النصوص الواردة بصددها من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.
1 / 18
ثاني عشر: ومن ذلك عدم الخوض في النصوص المتعلقة بالغيبيات التي استأثر الله بعلمها.
ثالث عشر: الحذر من الأخبار الإسرائيلية والآثار الواهية.
رابع عشر: التأدب مع علماء الأمة والحذر من تسفيه آرائهم، فكم عاب إنسانٌ آخر في اجتهاده فكان فيه العيب؛ إذ لم يحسن فهم مرامي الكلام أو مقتضيات الحال.
خامس عشر: يجب ألا يفارقنا اليقين بصدق قول رسول الله ﷺ الذي هو بمنزلة قول الله ﷿؛ لأنه وحي ووعد من الله؛ ولذلك مهما رأينا وسمعنا في واقع حياتنا بأمور تتعلق بالكون فلا يسوغ أن نقدم ما قيل بصددها على ما ورد عن رسول الله ﷺ ولهذا يجب إعادة النظر عند وجود تعارض ظاهري بينهما؛ لأنه لا يمكن أن يصادم مضمون نص صحيح حقيقة ثابتة أبدًا، إذ إن رسول الله ﷺ لا ينطق عن الهوى بل بوحي من الله خالق الكون.
1 / 19
ثانيًا: موجز يضم أهم القواعد والضوابط للمنهجية العامة المطلوب التزامها أساسًا لا بد منه لكل الباحثين:
١- تحديد أو تحرير فكرة البحث أو جوهره "القضية التي يتمحور حولها الموضوع" واختيار عنوان يتناسب مع الفكرة ويعبر عنها.
٢- الاعتدال في بيان الحقائق الكونية بعد التأكد من ثبوتها، وعدم الاندفاع العاطفي الذي يترجم انبهارًا أو عدم اتزان، وليحذر الباحث من الجري وراء نظرية تفتقر إلى برهان يثبتها بشكل منضبط ومؤكد؛ لأن الإعجاز العلمي إنما يعتمد إثباته على الحقائق حصرًا.
٣- على الباحث التزام الحيدة البحثية وعدم التحيز لما يعرضه من أفكار وقضايا في بحثه، وكذلك عدم الركون للقناعات الشخصية؛ ولذلك فمن الضروري هنا تحاشي الطريقة الجدلية في بيان المراد، وكذا عدم إيراد القضايا الخلافية في ثنايا البحث قدر الإمكان.
٤- التقيد بالضوابط البحثية الخاصة التي جرى عليها عرف هيئة الإعجاز العلمي في هذا الميدان، ومنها: عدم الخوض في الغيبيات وحسن مقارنة النصوص المتعلقة بالفكرة بعد التثبت من صحة النصوص الحديثية كما قلنا، وكذلك تمحيص الأقوال والشواهد وكل ماله علاقة بالنص.
٥- تحقيق مناط الإعجاز بشقيه الشرعي والكوني؛ حسب الاستدلال العلمي الصحيح في الكونيات واتباع المنهج المقرر في تفسير النصوص " الآيات القرآنية، الآثار في كلام رسول الله ﷺ ".
1 / 20