91

وتوجهن أربعتهن إلى «كاسا نويفا» حيث استقبلتهن البوابة بمظاهر الترحيب والابتهاج.

وكان ثمة أشخاص آخرون ينتظرون في تلك القاعة ذات المظهر القاسي.

وسألت العجوز البوابة: قولي لي يا «شينتا»، هل السكرتير موجود؟ - أجل يا سيدة «تشون»، لقد حضر لتوه. - إذن قولي له وحياتك إنني أريد مقابلته؛ لأنني أحضرت معي أمرا كتابيا له، في غاية الأهمية بالنسبة لي.

وظلت العجوز صامتة طوال غياب البوابة. كان المكان لا يزال، بالنسبة لكبار السن ممن عاصروه، يحتفظ بجو الأديرة، ذلك أن المبنى كان، قبل تحويله إلى سجن للمنحرفين، سجنا للعشاق. للنساء فقط. وكانت أصوات راهبات «سانت تريزا» العذبة تنساب من جدرانه الضخمة كأنها تحليق حمائم. ولم تكن هناك من زنابق ترى، ولكن الضوء كان أبيض مهدهدا بهيجا، واستعيض عن الصيام والخيش بأشواك جميع ألوان التعذيب التي ازدهرت تحت علامة الصليب وشباك العنكبوت.

وحين عادت البوابة، ذهبت السيدة «تشون» لتشرح للسكرتير موضوعها. كانت قد رتبت أمورها مع مديرة السجن من قبل؛ وقد أصدر المدعي العسكري العام أوامره بتسليمها - مقابل عشرة آلاف بيزو، وهو ما لم يذكره - السجينة «فيدينا دي روداس»، التي ستصبح من وقتها نزيلة «النشوة اللذيذة» كما كان ماخور السيدة تشون ذات السن الذهبية يدعى.

وتردد صدى قرعتين كالرعد في الزنزانة التي كانت السجينة التعسة لا تزال مقعية فيها مع ابنها، بلا حراك، مغلقة العينين تكاد لا تتنفس. وبجد جهيد، تظاهرت بأنها لا تسمع. ثم تصاعد الصرير من المزاليج. وترددت أصداء أزيز متطاول من مفصلات قليلة الاستعمال، من خلال الصمت، كأنها العويل. وفتحوا الباب وأمسكوا بها في غلظة. وأغلقت عينيها بقوة حتى لا ترى الضوء، فالقبور مظلمة في الداخل. وهكذا جروها كالعمياء، وجسد طفلها الصغير العزيز مضغوط إلى صدرها. لقد بيعت كالحيوان إلى أحط الأعمال. - إنها تتظاهر بالخرس. - إنها تغلق عينيها حتى لا ترانا. - إنها خجلانة، هذه هي الحقيقة. - ربما لا تريد أن يوقظوا طفلها.

هكذا كانت تعليقات «تشون» ذات السن الذهبية وفتياتها الثلاث أثناء الرحلة. وقعقعت العربة وهي تنطلق على طول الطريق غير الممهد، وصدرت عنها ضوضاء جهنمية. وكال السائق، وهو إسباني ذو مظهر «كيشوتي»، السباب لجواديه، وكانا مخصصين لحلبة المصارعة، وكأنما هو فارس المصارعة. وجلست «نينيا فيدينا» إلى جواره خلال الرحلة من سجن «كاسا نويفا» إلى بيوت الدعارة (كما في الأغنية) جاهلة تماما ما يدور حولها، دون أن تحرك جفنيها أو شفتيها، بل تقبض على طفلها بكل قوتها.

وبينما كانت السيدة «تشون» تدفع للسائق أجره، ساعدت الأخريات «فيدينا» على النزول ودفعنها بلطف إلى داخل دار «النشوة اللذيذة».

وكان هناك بضعة زبائن، معظمهم من الجنود، يقضون الليلة في صالون الماخور. وصاحت السيدة تشون بالبارمان عند دخولها: كم الساعة يا أنت؟

وردد أحد الجنود: «السادسة والثلث يا سيدتي تشون.» - آه، أأنت هنا أيها المشاغب العجوز؟ إني لم ألحظ وجودك!

صفحه نامشخص