حينما جئت إلى الوجود،
جبل صورتك من الثلج،
وطبعها على الشهاب البارق.
كانت تلك الفقرة الغنائية تمر عبر ذهنه في تلك اللحظة، كأنما هي تجسد الإيقاع الذي يربط الآن بين قلبيهما. - لقد قلت لي إن والدي سيذهب بعيدا، فمتى سنعرف المزيد من الأخبار عنه؟ - في الحقيقة ليست لدى أي فكرة، ولكن لا بد أن نعرف شيئا بعد أيام. - بعد أيام كثيرة؟ - كلا. - ربما كان لدى عمي «خوان» أخبار عنه؟ - محتمل جدا. - إنك تبدو محرجا حين أتكلم عن عمي وعمتي. - ماذا تعنين بذلك بحق السماء؟ كلا، على الإطلاق. على العكس تماما. إنني مدرك لولاهما لكانت مسئوليتي أعظم بكثير. إلى أين آخذك إن لم يكن إليهما؟
كانت نبرة صوت ذي الوجه الملائكي تتغير حين يترك لخياله العنان في الحديث عن هرب الجنرال وعن العم والعمة، الجنرال الذي يخشى أن يعود مكبلا بالأغلال مخفورا، أو باردا كالمرمر على محفة ملطخة بالدماء.
وفتح الباب فجأة. كانت «لامسكواتا»، في حالة من الاضطراب الشديد. ورنت قضبان الباب على الأرض. وهبت دفقة هواء كادت أن تطفئ الشمعة. - اعذراني لمقاطعتكما ودخولي فجأة هكذا. لقد قبضوا على «لوسيو» سمعت لتوي الأنباء من صديقة حين وصلتني هذه الورقة الصغيرة. إنه في السجن. إن ذلك من فعل «خينارو روداس». يا له من رجل! لقد كنت أشعر بالقلق طوال المساء. كل دقيقة كان قلبي يدق: بوم بوم بوم بوم بوم. لقد ذهب ذلك الشخص وقال لهم إنك أنت ولوسيو خطفتما السيدة الصغيرة من منزلها.
ولم يستطع المحبوب أن يفعل أي شيء لتدارك الكارثة. لم يحتج الأمر إلا إلى كلمات قليلة حتى يقع الانفجار. لقد أطيح به وبكميلة وبقصة حبهما ذات الحظ العاثر في ثانية واحدة، بل في أقل من الثانية بسبب حديث صاحبة الحانة الصريح عن اختطافهم لكميلة. وحين بدأ ذو الوجه الملائكي يحيط إدراكا بالموقف، كانت كميلة ترقد وهي تدفن وجهها في الفراش تبكي بلا توقف، وكانت صاحبة الحانة لا تزال تصف عملية الاختطاف بالتفصيل، دون أن تدرك أي إدراك بأنها تقذف بعالم صغير كامل إلى هوة سحيقة، أما هو؛ فقد شعر كأنما يدفنونه حيا مفتوح العينين.
وبعد أن بكت كميلة وقتا، نهضت كمن يمشي في نومه وطلبت من صاحبة الحانة غطاء تخرج به.
وقالت وهي تلتفت إلى ذي الوجه الملائكي بعد أن ناولتها المرأة شالا: وإذا كنت سيدا مهذبا حقا، خذني من فضلك إلى منزل عمي «خوان».
ورغب المحبوب أن يقول ما لا يمكن قوله، عبارات لا يمكن أن تعبر عنها الشفاه، ولكنها تتراقص في عيون أولئك الذين أحبط القدر أعز آمالهم.
صفحه نامشخص