139

وهمست أخرى: «كما أنها قد أعادت تجهيز ثوب عرسها حتى ترتديه في الحفلات ...» - ورأت سيدة ناحلة الشعر الفرصة مواتية لتضيف: «أنتم تعرفون أن الناس الذين لا يحسنون التصرف هم دائما من يصبحون عرضة للأنظار.» - أوه، كم نحن قساة القلوب. إنما قلت تلك الملاحظة بشأن الثوب لأنه من الواضح أنهم في حالة عسر مادي!

فلاحظت السيدة ناحلة الشعر قائلة: «بالطبع هم معسرون، ونحن جميعا نعلم السبب.» ثم أضافت في صوت خفيض: «يقولون إن السيد الرئيس لم يعد يعطيه شيئا منذ زواجه من تلك الفتاة!» - ولكن ذا الوجه الملائكي يكن له ولاء خالصا. - بل كان يكن له ولاء خالصا بالأحرى. لأنه كما يشاع، فإن ذا الوجه الملائكي هذا قد اختطف زوجته الحالية حتى يعمي أنظار الشرطة عن هروب حميه الجنرال من المنزل؛ وإنه لولا ذلك لما تمكن الجنرال من الفرار!

وتقدمت كميلة وذو الوجه الملائكي وسط المدعوين إلى الطرف الأقصى من الصالة التي كان بها الرئيس. وكان فخامته يتحادث مع أحد فقهاء القانون الدكتور «إريفرا غابلي»، وسط مجموعة من السيدات اللائي، حين اقترب الرئيس منهن، خرست الكلمات على ألسنتهن، كمن ابتلع شموعا مشتعلة، ولم يجرؤن على التنفس أو على فتح شفاههن. وكان هناك رجال مصارف سبق القبض عليهم وخرجوا بكفالة ولا تزال قضاياهم أمام المحاكم، وسكرتيرون ذوو ميول تقدمية لم يرفعوا أعينهم عن السيد الرئيس دون أن يجرءوا على توجيه التحية له حين ينظر إليهم، ولا على الانسحاب حين يحول بصره عنهم؛ وأعيان القرى، ممن انطفأ حماسهم السياسي، ولكنهم لا يزالون يبدون شيئا من عزة الكرامة الإنسانية حين يعاملون كالجراذين بينما هم ليوث في الحقيقة.

وتوجهت كميلة وذو الوجه الملائكي إلى الرئيس لتحيته. وقدم ذو الوجه الملائكي زوجته. وقدم الرئيس يده اليمني الصغيرة إلى كميلة، واستقرت عيناه عليها وهو ينطق باسمه، كأنما هو يقول لها «تصوري من أكون!» وفي هذه الأثناء كان الفقيه القانوني يحيي ظهور إحدى الحسناوات ممن يحملن نفس اسم عشيقة «البانيو» وشخصيتها الفريدة، بتلاوة بعض أبيات من شعر غارسيلاسو:

1 «لقد نشدت الطبيعة.

خلق صورة واحدة فريدة من هذا الجمال.

لذلك، بعد أن خلقتك. حطمت سريعا القالب الذي صبتك فيه.»

وكان الخدم يروحون ويغدون حاملين صحافا عليها كئوس الشمبانيا، وفطائر صغيرة، ولوز مملح، وحلوى، وسجائر. وأوقدت الشمبانيا النار التي لم تكن بعد موقدة في هذه الحفلة الرسمية، فبدا كل شيء، كما بفعل السحر، حقيقيا إذ ينعكس في المرايا الهادئة، وخيالا في الصالون، وكذلك الصوت الورقي لآلة موسيقية بدائية مصنوعة من جرة فخارية أضيفت عليها سمة حضارية بتعليق آلات صغيرة من حولها.

ورن صوت الرئيس قائلا: أيها الجنرال، خذ السادة خارجا، فإني أود أن أتناول العشاء وحدي مع السيدات ...

وأخذ الرجال يخرجون من الأبواب التي تطل على الليل البارق في جماعة واحدة، ودونما كلمة، وبعضهم متلهف إلى تنفيذ رغبة سيده، والبعض الآخر يحاول إخفاء غضبه بالإسراع في الخروج. وتطلعت السيدات إلى بعضهن البعض، ولم يجرؤن حتى على إخفاء أقدامهن تحت مقاعدهن.

صفحه نامشخص