136

وودعا ملاحظ الحمامات، الذي كان لا يزال يمسح عينيه التي تؤلمه، ويأكل حبات الفاصولياء.

ومضى السائس قائلا: وكنت أفكر أن من الأفضل أن تبتلع السيدة البيض نيئا؛ لأن المسافة طويلة منا وربما شعرت بالجوع.

فردت كميلة قائلة: كلا، فإني لا أحب البيض النيئ. وربما أصابني بالمرض. - إني أظن أن السيدة معتلة بعض الشيء. - ذلك أنني قد غادرت فراش المرض لتوي.

فقال ذو الوجه الملائكي: أجل، لقد كانت مريضة جدا.

فقال السائس وهو يشد أحزمة السرجين: ولكنك ستتحسنين الآن. فالنساء كالورود، في حاجة إلى السقي والرعاية؛ وسيصلح الزواج الآن من حالتك.

وأرخت كميلة جفنيها وقد احمرت وجنتاها وغمرهما الاضطراب، كالنبات الذي تطلع له بدلا من الأوراق عيون من كل جانب؛ وتبادلت نظرة مع زوجها، نظرة مليئة برغبة متبادلة، ووقعا بذلك على الاتفاق الضمني الذي كانا يفتقدان وجوده حتى الآن.

الفصل الخامس والثلاثون

نشيد الأنشاد

وكانا يقولان، أحدهما للآخر: «ماذا يكون عليه الحال لو لم يجمع بيننا القدر؟!» ذلك أن فكرة المخاطرة التي مرا بها كانت تملؤها بالرعب، لدرجة أنه إذا حدث وافترقا، فإن كلا منهما يأخذ في البحث عن الآخر؛ وإذا كانا معا تعانقا؛ وإذا كان الواحد منهما في أحضان الآخر ضمه إلى حضنه أكثر وأكثر، ولا يكتفي بذلك بل يقبله بحرارة ويغرق نظراته في عينيه، ثم يغرقان في خضم من السعادة يحملهما إلى حالة شفافة من الذهول، في وفاق نشوان مع الأشجار الممتلئة بالعصارة الجديدة، ومع ندف اللحم الصغيرة المغطاة بريش متلألئ الألوان، والتي تطير في خفة تضارع خفة الصدى.

ولكن الثعابين بحثت في ذلك السؤال. لو أن القدر لم يجمع بينهما، أكانا سيشعران بالسعادة؟ وطرح حق تدمير هذه الجنة الساحرة عديمة الجدوى في المزاد بين الأشباح الجهنمية؛ وبدأت الأرواح الشريرة تترقب، وانبجس صوت الشك من بين لقاح الإثم الرطيب، في حين نسجت الأيام خيوطا عنكبوتية في جوانب الزمن.

صفحه نامشخص