وقد تبدى عناد الطبيب الكريه بوضوح في الطريقة التي دار بها المندوب على عقبيه، وأعطاهن ظهره؛ ظهر بدا مماثلا لجذع الشجرة.
وسمعهن الجنرال يبكين. وأغلقن الباب الخارجي بالمفتاح والمزلاج خشية أن يعود المندوب. وتناثرت دموعهن فوق طبق الدجاج. - يا لقسوة الحياة يا جنرال. إنك سعيد الحظ إذا تغادر هذا البلد نهائيا.
فسأل «كاناليس» مخاطبا الأخت الكبرى: بماذا كان يهددكن؟
وقالت الكبرى لأختيها دون أن تجفف دمعها: فلتقل له إحداكما.
فقالت الصغرى في لعثمة: بأن يخرج ماما من قبرها.
فحملق «كاناليس» في الأخوات الثلاث كلهن وتوقف عن الأكل. - ماذا تقولين؟ - تماما هكذا، بأن يخرج ماما من القبر. - ولكن هذا ظلم. - قولي له. - حسنا. ولكن عليك أن تعلم يا جنرال أن طبيب قريتنا هو واحد من أسفل أوغاد أهل الأرض طرا، لقد قالوا لنا ذلك من قبل، ولكن المرء لا يتعلم إلا بالتجربة. وماذا كنا سنفعل؟ من الصعب تصديق أن الناس يمكن أن يكونوا بهذا الشر. - هل لك في بعض الفجل يا جنرال؟
وناولته الوسطى الطبق، وبينما كان الجنرال يتناول منه بعض الفجل، واصلت الصغرى قصتها: لقد وقعنا في مصيدته. هذه هي لعبته: حين يسقط أحد زبائنه فريسة مرض خطير، ويكون آخر ما يفكر فيه الأقارب ترتيبات الجنازة، يأمر بإعداد مقبرة للدفن. ثم حين يحم القضاء، يضرب ضربته؛ وهذا ما حدث لنا، إذ بدلا من أن نترك ماما تدفن في الأرض الجرداء، قبلنا مكانا لها في المقبرة التي أعدها دون أن ندرك ما نحن مقبلات عليه من جراء ذلك.
وقالت الكبرى ملاحظة وسط الشهقات: «وهو يعلم أننا نسوة لا عائل لنا.» - أقول لك يا جنرال، إنه في اليوم الذي أرسل إلينا الفاتورة، صعقنا كلنا: تسعة آلاف بيزو لقاء خمس عشرة زيارة؛ تسعة آلاف بيزو أو هذا المنزل، لأنه يريد فيما يبدو أن يتزوج، أو ... - أو، إذا لم ندفع، كما قال لأختي، ويا للبشاعة، «بوسعكن أن تأخذن قمامتكن من مقبرتي .»
وضرب «كاناليس» المائدة بقبضة يده. - يا للسافل القذر!
وقرع المنضدة مرة أخرى، مما جعل الأطباق وأدوات المائدة والأكواب تصلصل، وفتح أصابعه ثم أغلقها كأنما يريد أن يخنق هذا الوغد ويدمر جماع النظام الاجتماعي الذي أفرز مثل هذه الأمور المسيئة المخجلة واحدة وراء أخرى.
صفحه نامشخص