وقبل أن يرد الضابط عليها أطلق سيلا من البصاق، تفوح منه رائحة التبغ وتسويس الأسنان. - ما هو اسم ابنك يا سيدتي؟ - إسماعيل يا سيدي. - إسماعيل ماذا؟ - «إسماعيل ميخو» يا سيدي.
وبصق الضابط مرة أخرى. - ولكن، ما هو لقبه؟ - «ميخو» يا سيدي. - اسمعي، من الأفضل أن تعودي يوما آخر فنحن مشغولون.
وانسحبت العجوز دون أن تنزل الشال من على رأسها، في بطء، وهي تحصي خطواتها كأنما هي تزن آلامها؛ وتوقفت برهة على حافة الطوار ثم عادت ثانية واقتربت من الضابط الذي كان لا يزال جالسا على مقعده. - اعذرني يا سيدي، ولكني لا أستطيع البقاء هنا أكثر من ذلك؛ إني آتية من بعيد جدا، على مسافة ستين كيلو مترا، لذلك فإني إذا لم أره اليوم فلا أعرف متى سأستطيع العودة. هلا استدعيته من فضلك؟ - لقد سبق أن قلت لك إننا مشغولون. اذهبي ولا تضايقيني.
وكان ذو الوجه الملائكي يشهد هذا المنظر، وثارت فيه مرة أخرى الرغبة في أن يفعل خيرا حتى يكافئه الله على ذلك بإنقاذ حياة كميلة، فقال للضابط في صوت خفيض: استدع الشاب أيها اللفتنانت، وهاك شيء حق السجائر.
وتناول الضابط النقود دون أن ينظر إلى الغريب وأصدر أوامره بإحضار «إسماعيل ميخو». ووقفت العجوز الضئيلة الحجم تحدق إلى من أحسن إليها كأنما هو ملاك.
ولم يكن الميجور «فارفان» موجودا في الثكنات. وظهر موظف في إحدى الشرفات وقلمه خلف أذنه، وأخبر المحبوب أن الميجور يكون عادة في هذه الساعة من الليل في دار «النشوة اللذيذة»؛ لأن ابن إله الحرب النبيل هذا يقسم وقته بين الواجب والهوى، ولكن لن يضر شيء أن يبحث عنه أولا في بيته. واستقل ذو الوجه الملائكي عربة أجرة. كان «فارفان» يسكن شقة مفروشة في ضاحية بعيدة. وكان باب الشقة ناحل اللون كثير الفروج بفعل الرطوبة فكان يبين عن داخل الشقة المظلم. ودق ذو الوجه الملائكي مرتين وثلاثا. لم يكن هناك أحد في الداخل. وعاد لتوه، ولكنه ذهب يرى كيف حال «كميلة» قبل أن يتوجه إلى دار «النشوة اللذيذة». ودهش لصوت العربة بعد أن تركت الطرق غير الممهدة إلى الطرق المرصوفة: حوافر الجياد والعجلات، العجلات وحوافر الجياد.
حين انتهت ذات السن الذهبية من حكاية غرامها مع الرئيس، عاد ذو الوجه الملائكي إلى الصالون. كان من الأهمية لديه بمكان ألا يغرب ميجور «فارفان» عن نظره، وأن يتحقق من قصة المرأة التي قبضوا عليها في منزل «كاناليس» وباعها المدعي العسكري العام النذل مقابل عشرة آلاف بيزو.
كان الرقص على أشده في الصالون، والراقصون يتمايلون على أنغام الفالس، يصاحبهم صوت «فارفان» الغارق في السكر، بغنائه:
لماذا هن البغايا،
مفتونات بي؟
صفحه نامشخص