وفي صباح الغد أمر الحاكم الجديد الأهالي بالخروج من منازلهم، ثم فتش هذه المنازل وأرسل ما بها إلى بيت المال، وكل من اشتبه في حيازته مالا كان يجلد بلا رحمة، أو تقيد قدماه ويربط إلى حائط ورأسه مدلى حتى يغمى عليه، وكنت أناقش وأحاج ولكن خالد لم يكن ليثنيه كلامي.
ثم أخذ خدم الموظفين من رجال ونساء وقدموا للمهديين، ولكن الفتيات الوسيمات احتفظ بهن للمهدي.
وبعد سبعة أيام من تسليمنا، أخبرني خالد أن سيد بك جمعة قد أرسل كبار الموظفين مع عمر واد دارهو لكي يعرضوا تسليم المدينة؛ ولذلك قر رأيه على أن يسافر بنفسه إلى الفاشر، ولكنه عندما اقترب من المدينة كان الأهالي قد سمعوا بسوء معاملته لأهالي دارة، فقرروا عدم التسليم، واضطر الدراويش لذلك إلى حصار المدينة، وفتق المحصورون فتوقا عديدة في القوة المحاصرة، ولكن الأهالي بعد 15 يوما من الحصار سلموا المدينة، فدخلها خالد ومثل هناك الفصول المروعة التي مثلها قبلا في دارة بشكل أقسى، وعذب عددا كبيرا من الناس تعذيبا وحشيا.
وكان بين المعذبين ضابط يدعى حمادة أفندي، وقد طولب بما عنده من المال فأصر على أنه لا يملك شيئا، وكانت إحدى إمائه قد أخبرت عن وجود مقدار من الفضة والذهب عنده، ولكنها لا تعرف مكانهما، فأحضر أمام خالد الذي قال له إنه كلب كافر، فلم يقدر حمادة أفندي على ضبط نفسه ورد على خالد قائلا إنه دنقلاوي سافل، وهاج خالد لهذه الإهانة وأمر جنوده بجلد حمادة أفندي حتى يعترف بمكان المال. ومضت ثلاثة أيام وهو يضرب كل يوم ألف سوط ولكن بلا أدنى فائدة، ولو كان حجرا لما تحمل هذا الضرب كما تحمله، وكان كلما سأله الجلادون عن ماله يجيبهم قائلا: «أجل عندي أموال ولكنها ستدفن معي.»
وأمر خالد بوقف الضرب ثم سلم هذا المسكين لعرب الميما لكي يحرسوه، وقد دهش عرب الميما أنفسهم لجلد هذا الرجل الذي لم يلن عوده أمام هذا التعذيب.
وخشي إبراهيم نجلاوي الجلد، فسمع أحد الأمراء يدعونه بالعبد فقتل في الحال زوجته ثم أخاه ثم انتحر! وانتحر أيضا أغا فولا مؤثرا الموت على التعذيب، فلما رأى خالد ذلك أمر بوقف الجلد واكتفى بنفي المصريين في أماكن متفرقة قريبة من المدينة.
وبعد سقوط الفاشر طلبني خالد لكي ألحقه، فبلغتها في أوائل فبراير، فأعطاني منزل سيد بك جمعة لكي أقيم فيه، وأذن لي في طلب خيولي وخدمي من دارة، أما أمتعة البيت فيجب تسليمها لبيت المال على سبيل الزهد في الدنيا.
فنفذت كل هذه الأوامر وسلمت جميع أثاث المنزل لبيت المال ليد جابر واد الطيب، ولم أحتفظ إلا بالأشياء الضرورية للحاجات اليومية.
وكنت قد سمعت عند وصولي عن شجاعة حمادة وجلده، فبحثت عنه ووجدته في حالة مروعة؛ فقد كانت جروحه من كتفيه إلى ركبه واسعة متهرئة، وكان الموكلون بتعذيبه يدرون عليها الملح والفلفل؛ لكي يستخرجوا منه وهو في هذه الآلام اعترافا بمكان أمواله.
ولكن كل هذا التعذيب لم يكن ليحدوه إلى الاعتراف، فذهبت وأنا يائس إلى خالد وأخبرته بحالة هذا المسكين ورجوته أن يسمح لي بنقله إلى منزلي لكي أعالجه، فقال خالد لي: «إنه رجل ماكر أخفى أمواله وأهانني علنا؛ ولهذا يستحق أن يموت موتة شنيعة.»
صفحه نامشخص