شمشیر و آتش در سودان

سلاطین باشا d. 1351 AH
169

شمشیر و آتش در سودان

السيف والنار في السودان

ژانرها

تتفرع من بعض تلك النواحي الخالية من النبات أودية مملوءة بالغابات، يسكنها رعاة الجمال التابعون للقبائل السالفة الذكر.

اجتزنا بعد ذلك واديا قريبا غير مطروق وواصلنا رحلتنا دون راحة؛ لأني كنت شديد الرغبة في مشاهدة أعزائي في أقرب وقت ممكن أضمن في نهايته السلامة من أخطار رحلتنا المتعبة المفزعة. ورغم كوننا ناجين من كل خطر، لأنا تركنا الحدود المهدية وصرنا على الأراضي المصرية، رغم ذلك أصر مرشدي على البقاء بعيدين عن عيون الرقباء والناظرين كائنين من كانوا؛ لأنه خاف من أن تقع علينا عيون بعض التجار الذين يتعاملون مع السودان.

وبما أن منزله قائم على الحدود، وأنه كان مضطرا - لأسباب مختلفة - إلى الذهاب لبربر؛ فمن الواجب علي أن أقدر خدمته لي - في موقفه الخطير هذا - حق قدرها.

وفي الحق لم أجد بين من شاهدت في السودان رجلا أقوى عزيمة وأسمى روحا من صديقي الأخير هذا، على الرغم من ضعف جسمه. ولا ريب في أن الطعام غير النظامي والسير المتواصل في كثير من الأحايين أثر أثرا سيئا في صحة هذا المتقدم في السن. وعلاوة على ذلك شعر صاحبي حامد بالبرد الشديد الذي أوقعه أخيرا في حبائل المرض، فاضطررت إشفاقا عليه أن أعطيه عباءتي لتدفئته، وأبقيت لنفسي المعطف الصغير والحزام الصوفي الكبير. وقد وصلت بي الرغبة في سرعة الوصول إلى أسوان حدا دفعني إلى أن أعطيه جملي وأسير على قدمي العارية فوق الأحجار أربعة أيام - سبب سيري عاري القدم هو إضاعة حذائي كما قلت قبلا بواسطة إبراهيم ويعقوب - ولا ريب أن هذه الفترة أشق مراحلي من الوجهة الصحية.

خيل إلينا قبل الوصول إلى أسوان بأيام قلائل أن الجمل يتأمر علينا في اللحظة الأخيرة، وليس ذلك غريبا؛ فقد أتعبه المسير المتواصل دون راحة إلا في النادر، وعلاوة على ذلك أصيب في مقدم القدم بجرح زاد واتسع عندما اصطدم بحجر مدبب، فاضطررت إلى أن أقطع جزءا من حزامي لألف به بطن القدم والجزء المجروح من الجمل، على أن أغير هذه اللفافة كل أربع وعشرين ساعة. وقد تعلمت ذلك من رعاة الجمال من دارفور، وكل ما بيني وبينهم من خلاف أنهم يستعملون الجلد بدل الصوف.

آخر الأمر قدر الله اللطيف بعباده أن ننزل في صباح السبت 16 مارس من أعلى منحدرات طريقنا، فنشاهد نهر النيل السعيد ومدينة أسوان الممتدة على شاطئه. وبطبيعة الحال أقر بالعجز الكلي عن وصف السرور الذي ملأ قلبي بعد الشكر لله إزاء النجاة والشعور بتحريري من العبودية؛ فقد انتهت آلامي، وقضى الله على مصائبي، ونجوت حقا من أيدي البرابرة الشديدي التعصب، ووقعت عيناي أول مرة على مساكن شعب متمدين يخضع للقانون والنظام، ويأتمر حكامه بأوامر العدالة فحسب.

واتجه - ساعة وصولي إلى أسوان - قلبي الطروب إلى عرش الله الأسمى شاكرا لجلاله حمايته ويمينه المرشدة. قوبلت بأعظم مظاهر الترحيب من معسكرات الضباط الإنجليز الخاضعين لصاحب السمو الخديو، وفي مساكن الضباط المصريين الذين لم يعلموا - إلا عندما التقوا بي - أنباء رحلتي المدهشة. وقد تسابق كل من أولئك الضباط المصريين الكرام في التفريج عن كربي القديم، وفي جلب السرور الذي ينسيني آلامي ونكباتي السابقة. كان المحافظ العسكري في ذلك الحين في أسوان الكولونل هنتر باشا، وكبار ضباطه الذين أذكرهم في هذه اللحظة هم البكباشيون جاكسون وسدني وماتشل بك ووطسون. وقد قدم كل منهم أقصى ما يستطيع من مجاملة صادقة ، فشكرت لكل من أعماق قلبي ودعوت لهم بالخير. وقبل تغيير ملابسي بملابس جديدة من التي قدمها لي أولئك الضباط، طلب مني صديقي البكباشي وطسون السماح له بأخذ صورتي - وطسون هذا من أدق الرسامين - فقبلت طلبه مع الشكر.

أما عن صديقي حامد جرهوش فقد دفعت له - بواسطة بطرس بك سركيس صديقي القديم ووكيل قنصلية إنجلترا في أسوان - مائة وعشرين ريالا من عملة مارية تريزة، وقدمت لحامد علاوة على ذلك هدية مالية وبعض الملابس والأسلحة، وفوق هذا وذاك قدم له هنتر باشا عشرة جنيهات إنجليزية تذكارا لوصولي سالما إلى أسوان. وبعد ذلك ودعني وداع الإخلاص وعاد إلى قبيلته مسرورا مبتهجا.

بعد قليل من وصولي إلى أسوان وردت لي تلغرافات التهاني؛ أولها من الماجور لويس بك بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن معسكر وادي حلفا؛ وثانيها من رئيس الوكالة السياسية النمساوية في مصر، وهو البارون هولرفون أجيرج، الذي تعب كثيرا في سبيل إنقاذي؛ ثم من صديقي المخلص الماجور ونجت بك.

أول من حياني من أبناء وطني تحية شخصية هو البارون فكتور هيرنج، ثم أولاده، وقد كانوا جميعا في ذهبيتهم في النيل.

صفحه نامشخص