شمشیر و آتش در سودان

سلاطین باشا d. 1351 AH
160

شمشیر و آتش در سودان

السيف والنار في السودان

ژانرها

ترك رفيقي حامد مقعده الصخري وسار إلى الرجل بخطى سريعة متلاحقة، ثم وصل إلى قمة التل واختفى عن بصري، ولم تمر بعد ذلك بضع دقائق حتى شاهدتهما كليهما (حامد والرجل الآخر) قادمين إلى مكاني بثغرين باسمين. وقبل أن يصل حامد إلي قال بأعلى صوته وهو في حالة بشر واغتباط: «إنا موفقان سعيدا الحظ؛ فالرجل واحد من أنسبائي الأقربين؛ لأن والدته ابنة خالة والدتي.»

أقبل الرجل نحوي وقدم يده للسلام علي فصافحته مغتبطا، ثم قال لي عندما جلس على الحجر المجاور لمكاني: «السلام عليكم أيها الصديق، ولتكن واثقا أنك لن تصاب بأذى من ناحيتي.»

أعطيت هذا الصديق السوداني الجديد كمية من البلح، وطلبت منه في رفق وأدب أن يذوق هذا الطعام البسيط الذي أعاننا على الجوع في رحلتنا الشاقة، ثم سألته بعد ذلك عن اسمه فأجابني قائلا: «يدعوني الناس علي واد فيض، وأظن أنه من الوفاء لك أن أخبرك الحق.»

أسرعت بعد ذلك في استيضاح الحقيقة، فأجابني بمنتهى الصراحة: «لم أكن متجها إلى الخير في تصرفي معك، ولولا الالتقاء بقريبي لكان الشر لاحقا بك لا محالة؛ وتفصيل ذلك أني غيرت الأرض التي كانت ترعى فيها ماشيتي، فوصلت منذ أيام قلائل إلى سفح التلال التي تراها الآن منحدرة إلى الجنوب، وبعد ذلك اتجهت إلى الشقوق القائمة بين الصخور عساني أجد ماء وفيرا نقيا أشرب منه كما ترتوي منه جمالي وبقية ماشيتي؛ لأن الماء الذي كان لدينا قبل ذلك غير كاف لمن يعيش الأسابيع والشهور مع عدد غير قليل من الماشية، ولم أكد أصل إلى تلك الشقوق حتى شاهدت آثار خطوات جمل، فتعقبت الأثر، وبعد مسافة مئات من الياردات وجدت آثار قدمي رجل أبيض مبتدئة من مكان بعيد عن الأنظار، فتحققت أن رجلا غريبا دخل تلك الأرض واختبأ بين صخورها رغبة في الفرار دون شعور المراقبين بمروره، فعدت أدراجي مصمما على العودة ليلا ومعي بعض رفاقي لنسهل عليك رحلتك الباقية بالانقضاض عليك وإراحتك من الدنيا وما فيها من تعب ومشقة، فالحمد لله الذي حال دون إتمام عملي الإجرامي؛ حيث أرسل إلي ابن خالتي، حامد الذي أفهمني الأمر كله في وضح النهار، وأكرر الشكر لله لأني لقيته في الصباح، فلو أن ذلك كان ليلا لما عرفت حامدا ولانتهى الأمر شر انتهاء.»

أنصت حامد لكل ما قاله ابن خالته باهتمام وسكون، وبعد الانتهاء قال حامد: «سأخبرك يا علي واد فيض قصة قصيرة فأنصت! كان والدي منذ سنوات طويلة وقت أن كنت شابا صغير السن وأيام حكم الأتراك لهذه الجبال؛ شيخ المنطقة التي نحن فيها، وكان المحتكمون إليه من الرعايا كثيري العدد. وفي ليلة من ليالي ذلك العهد وصل إلى بيت أبي رجل هارب طلب منه الأمان، وقد كان هذا الرجل مطاردا من جنود الحكومة لأنه اتهم باللصوصية والاعتداء على حياة بعض التجار، فتمكنت الحكومة من أسر زوجاته، أما هو فوجد عضدا قويا ونصيرا أمينا؛ حيث أظله أبي واحتفظ بالسر.

مرت بعد ذلك الحادث سنوات انتقل في خلالها والدي إلى منطقة بربر، فتمكن بعد دفع المال وتقديم ضمانات متنوعة من إصدار العفو عن هذا الرجل المطارد، الذي لم يستطع متهموه إيجاد جريمة معينة يحاكم بمقتضى ارتكابها. ولم يكتف والدي بذلك، بل ذهب إلى الجهات المختصة وقدم نفسه كفالة عن زوجات ذلك الرجل، وبذلك حصل على أمر ثان بإطلاق سراح زوجاته، بعد أن قاسين في السجن الكثير من الآلام والأتعاب. وبعد كل ذلك يسرني أن أخبرك بأن الرجل المذكور اسمه فيض.»

بينما يتابع حامد أقواله قاطعه علي واد فيض قائلا: «وأضيف إلى أقوالك بأن الرجل المذكور هو أبي الذي ولدني ورباني.» ثم تغيرت ملامح وجهه واستمر في قوله: «ولدت في زمن متأخر وسمعت هذه القصة يا حامد من والدتي العزيزة قبل موتها، وإزاء ذكر تلك الوالدة الطيبة أطلب من الله الرحمة لها. وبعد وفاة والدتي قال لي شقيقي الأكبر إن خير ما أعمله في الحياة هو القيام بالجميل نحو ابن الرجل الذي أدى جميلا لوالدي؛ وإذن فأنا مدين لك بالشكر يا حامد حتى أوفي ما على أبي نحو أبيك، فثق أني حاميك وحامي من معك بغض النظر عما تقومان به من خير أو شر؛ لأني أذكر شيئا واحدا هو أني مدين لك بالجميل، فاتبعني حتى أرشدك إلى أحسن مكان أمين تختبئ فيه مع صديقك الأبيض.»

رجعنا بعد ذلك جنوبا إلى ناحية التلول مسافة لا تقل عن ألفي ياردة، ثم انتهينا إلى بقعة شبيهة بالكهف تتخللها ألواح صخرية تحجب من وراءها عن الأنظار، ولا ريب أن البقعة المذكورة كافية لاختفاء اثنين بالغين من ضخامة الجسم ما بلغا.

أخذ علي واد فيض يسدي إلينا نصائحه وتعليماته بعد ذلك فقال: «عندما يحين المساء أحضرا أمتعتكما إلى هذا المكان. بالرغم من عدم وجود ما يدعو إلى الخوف في أية ناحية مجاورة؛ لأن التلول التي أمامنا بعيدة عن أقدام الآدميين، إلا أن الحذر الشديد يدعوكما عندما يجن الليل أن تختارا بقعة آمنة هادئة ملساء، لتقضيا ليلتكما عليها بعيدين حتى عن رقابة الجن. قد تدعوني أمانتي الشديدة لكما إلى القول بأن من المستحيل أن تكونا واثقين الثقة كلها في أن بعض الأنظار لم تقع عليكما، وأن بعض الناس ما اعتزموا ما كنت معتزما تنفيذه قبل ملاقاة حامد؛ وأعني بذلك انتهاز فرصة ظلام الليل للانقضاض عليكما.»

بعد أن انتهى علي من قوله الصادر عن إخلاص شديد قال: «لقد أطلت في حديثي وقضيت وقتا طويلا بعيدا عن مكاني، فسأضطر إلى العودة لتسقط الأخبار واستماع ما قد يدور حولكما من نبأ، على أن أعود إليكما غدا في ساعة من ساعات الليل المظلمة، وستعرفانني بصوت خفيف يشبه الصفير، فإلى الوداع حتى ألقاكما في خير غدا.»

صفحه نامشخص