والذين يسألون عن العدل الإلهي لا بد أن يعرفوا من هو الله ، ومامعنى أن نعصي جبار السماء، والذي لا يعجزه شيء، والقادر على كل المقدورات ، والذي لا يخفى عليه شيء ، ما معنى أن نعصيه ولا نتوب إليه مع إمهاله لنا وتوبته علينا، وإرشاده لنا بالعقل والكتاب والرسل، وانعامه لنا العظام المتوالية ، ما معنى أن نعصي الذي خلق الأجرام وخلق الإلكترون والنترون والبروتون من العدم المحض ، الذي بيده كل شيء وإليه ترجعون، الذي إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، الذي أوجدنا وخلق لنا الأرض، الذي يعفو عنا إذا أذنبنا ، ويقبل توبتنا ويغفر ذنوبنا التي أوترت ظهورنا وأفنت أعمارنا، الذي يجيبنا إذا دعوناه ويسرع بالإجابة، الذي نناديه كلما شئنا لحاجاتنا، ونخلوا به حيث شئنا بلا حجاب ولا مواعيد، يتحبب إلينا بالنعم ونعارضه بالذنوب، خيره إلينا نازل وشرنا إليه صاعد، ومع ذلك لا يمنعه ذلك من أن يحوطنا بنعمه العظام، ويتفضل علينا بالآئه الجسام، ومن أن يقبل توبتنا ويغفر ذنوبنا إذا رجعنا إليه مع أننا أصحاب الدواهي العظمى، والذي على سيده اجترى، والذي عصيت جبار السماء ، والذي أمهلنا فما أرعويت، وسترت علي فما استحييت، وعملت بالمعاصي فتعديت، واسقطتني من عينك فما باليت، ثم قبلت توبتي وحوبتي حين رجعت إليك.
لا بد أن نعرف من هو ومن نحن، فيا من سأل عن عدل الله هذه عدالته ، ((وماظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )) ، ويا من سأل عن رحمة الله ومكانها هذه هي وهذا مكانها.
ثم أليس الله بإجماع المسلمين يخلد شخصا مات على الشرك ولو استغرق عمره في طاعة الله وأشرك في فترة زمنية قصيرة، مثلا خمس دقائق وأطاع في بقية عمره ولو سبعون عاما، فهل يقال أين عدل الله أين رحمته أين عفوه أين مغفرته !!!
صفحه ۳۷