185

صيد الخاطر

صيد الخاطر

ناشر

دار القلم

شماره نسخه

الأولى

محل انتشار

دمشق

ويهلك أعداؤه، وهذا الخليل ﵇ يلقى في النار، ثم بعد قليل يخرج إلى السلامة، وهذا الذبيح١ يضطجع مستسلمًا، ثم يسلم، ويبقى المدح، وهذا يعقوب ﵇ يذهب بصره بالفراق، ثم يعود بالوصول. وهذا الكليم٢ ﵇ يشتغل بالرعي، ثم يرقى إلى التكليم، وهذا نبينا محمد ﷺ يقال له بالأمس: اليتيم، ويقلب في عجائب يلاقيها من الأعداء تارة، ومن مكايد الفقر أخرى، وهو أثبت من جبل حراء، ثم لما تم له مراده من الفتح، وبلغ الغرض من أكبر الملوك وأهل الأرض، نزل به ضيف النقلة، فقال: "واكرباه"٣.
فمن تلمح بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقى الأمواج، وكيف يصبر على مدافعة الأيام، لم يستهون نزول بلاء، ولم يفرح بعاجل رخاء.

١ الذبيح: إسماعيل ﵇ على الصحيح خلافًا لما ذهب إليه المؤلف في الفصل "٢٩٣" من أنه إسحاق ﵇.
٢ الكليم: موسى ﵇.
٣ بل قال: "وا رأساه" كما في حديث عائشة ﵂، رواه ابن إسحاق ومن طريقه ابن ماجه "١٤٦٥" والحاكم "٣/ ٥٦"، وغيرهما وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
١١٨- فصل: عليكم من العمل بما تطيقون
٥٦٠- ينبغي للعاقل ألا يقدم على العزائم حتى يزن نفسه: هل يطيقها؟ ويجرب نفسه في ركوب بعضها سرًّا من الخلق، فإنه لا يأمن أن يرى في حالة لا يصبر عليها، ثم يعود فيفتضح!
مثاله: رجل سمع بذكر الزهاد، فرمى ثيابه الجميلة، ولبس الدون، وانفرد في زاوية، وغلب على قلبه ذكر الموت والآخرة؛ فلم يلبث متقاضي الطبع١ أن ألح بما جرت به العادة، فمن القوم من عاد بمرة إلى أكثر مما كان عليه، كأكل الناقة٢ من مرض، ومنهم من توسط الحال، فبقي كَالمُذَبْذَبِ.

١ متقاضي الطبع: مقتضى الطبع، وهو قانونه وسننه.
٢ الناقه: المريض الذي برأ للتوِّ.

1 / 187