صدای سخنگو از یخچال
الصوت المتحدث من الثلاجة: مجموعة قصصية
ژانرها
أما الأغرب على الإطلاق، فكان ما وجدته في خشب أرضية غرفة النوم؛ جزء من هذه الأرضية ذاب. لا أدري السبب بوضوح؛ هل هو نشع مياه؟ هل هي وفاة للخشب؟ هل هو ملل من التماسك؟ ما أعلمه أن لوحين خشبيين - أو أكثر - تحللا. باتا هشيما، ترابا آخر لكن أغلظ ، أقرب للرمال في الحجم واللون. ليس هذا هو الغريب، وإنما النبتة الخضراء التي نمت وسط هشيم لوح منها. استغرقت في التفكير ... كيف حدث ذلك؟ ما التفسير المنطقي له؟ قلت إن طرفا من الشجرة المقابلة للعمارة سقط إلى شرفتي، ثم علق بشبشبي حين نشر أو جمع الغسيل، واستقر في النهاية على الأرض، وسط رفات هذا اللوح. لكن لا، البلدية مزقت الشجرة منذ عامين. بحجة ماذا؟! الله أعلم. ليلتها فوجئت من شرفتي بالدور الثالث برجل في ملابس عسكرية سترتها مفكوكة، غالبا مجند أو عريف أو ما شابه، يتسلق الشجرة ببلطة، متلذذا بتقطيعها. وبعد أن رحمها مبقيا على نصفها السفلي، نمت مجددا، قيمة متر واحد، لتغلبها الرياح ذات مساء، وتنحني منكسرة من أساسها، ساقطة في مشهد درامي مباغت وحزين. كم أتذكر مرآها وهي جثة ترقد بطول الحارة الجانبية، مثل أم كسرها الألم، وقتلها انسلاخ نصفها عنها. كانت نائمة على جنبها، تبكي أوراقا خضراء صغيرة، منتظرة من يحملها إلى قبرها.
إذن ... هي الكائنات الفضائية. طرفة قالها جاري - هاوي الروايات الخيالية - حين حادثته في أمر النبتة، سائلا بجدية عن تبرير معقول لها. قال إن كائنات من كوكب آخر نزلوا على المكان في غيابي، أو حتى في وجودي بهيئة خفية، كي يزرعوا نبتة لهم في خشبي، كتجربة جديدة. سرحت في تخريفه؛ أهي زهرة من حدائقهم لا تنمو إلا في الخشب؟ أم نبات لهم يحاولوا زرعه في خشبنا؟ أم برسيم من الذي يتغذى عليه جاري المستظرف؟! ضحكت لتتوه ضحكاتي في برد الشقة ووحدتها. كان للضحك زمان معنى حينما يرتد منك إليك. يندفع مثل كرة لينة تفوح عطرا إلى زوجتك، أو أولادك، فيرمونها إليك أكبر حجما، وأكثر لينا، وأخصب عطرا، حتى ينتشر العطر وسطكم، ويسكن ركنا من أركان البيت، لا يغادره مهما غابت الفرحة، أو سيطر النكد.
لم أجد بدا من سقاية النبتة الغريبة. كانت متألقة الاخضرار، قصيرة كأنها قط وليد، وتتفاوت بين المتانة والرخاوة على نحو فريد. في النهار تقف باسقة، متحدية العالم، ثابتة مبتسمة مثل وقفتي في طابور الصباح بمدرسة البراموني الأولية بنين. وفي المساء، ترتخي على نحو مريب، وتتقلص ملتفة حول نفسها، مثلي حينما أنام وحيدا في ليلة شريرة الشتاء. وفي يوم جمعة، حيث هناك ساعة استجابة، ابتهلت في سجداتي أن تأتي الكائنات الفضائية، وترعى هذه النبتة، فأنا أتحرك على مجرى الإقلاع بسرعة، ومسلسلي يقترب من حلقته الأخيرة. ستذهب النبتة ضحية الذبول، ولن يفهم الورثة وجودها، ليكنسوها إلى الزبالة البلاستيكية التي اسود صفارها. أدركوا نبتتكم الغامضة أيها الجاحدون. تجربتكم - أيا كانت - لن تتم.
وفي ليلة لاحقة قريبة، سمعت صوتا مهيبا. ظننت أن فرحا صاخبا دب فجأة في سماعات هائلة، أو أن طائرة حربية تلقي بقنابلها على حينا، أو أن العمارة المجاورة تنهار، لكني فوجئت بالقمر يدخل من شيش الشرفة، ويصل إلى عمق غرفة نومي. تجمدت بين التبرم وعدم الفهم، وسمعت صوتا يردد في ممر بعقلي: إنه القمر، الذي يتغنى به المطربون والمطربات في بكائهم وضحكهم. إنه جزء من كل تراث الأغاني القديمة، أيام كانت هناك رقابة، وثقة بأن المعروض لا يؤذي. حسنا، إن نوره خافت مثل مرح الرزناء، رحيم مثل أب محب. تشعر أنه كرة ناصعة من عشرات اليمامات. كما أن حركته رهيفة؛ لا يكسر شيئا، ولا يوقع غرضا من مطرحه.
مال القمر ناحية النبتة، فيما يبدو فحصا للاطمئنان، ثم نظر إلي ... وابتسم. إنها ابتسامته المعتادة في كل سماء، لكنها موجهة هذه المرة لي أنا فقط. تهلل قلبي، وتلاحقت أنفاسي من فرحة جديدة المذاق؛ تقترب من طراوة الرضا، وحلاوة لقاء المحبوب، ولذة العودة للوطن، والفخر بخير أنجزته. حادثني القمر بما لم أفهم. صوته أقرب لصوت نجاة الصغيرة، لكن في شيء من المعدنية. كأنك تسمعها من مذياع موضوع في كابينة من الصفيح. لم أميز حرفا. دلني عقلي أنها لغة أجنبية مثل لغة السائح الذي صادفته منذ سنين في شارع عماد الدين، وظل يحاكيني بألفاظ عجيبة، إلى أن أكرمني الله، وأكرمه، بشابة تتحدث لغته، وأخبرتني بلطف في أثناء رحيله مبتسما: «كان بيسألك فين شارع عماد الدين!» خرج القمر مخترقا شيش الغرفة. هل دخل إليها بهذه الطريقة؟ لم ألحظ بدقة. ثم غرب نوره الفضي الوهاج، تاركا إياي في لوعة تجاوزت سروري. ليته أطال الجلوس، ليته حدثني عن أحبابي في العالم الآخر. ليته شرب معي كوب يانسون بالعسل الأبيض.
نفضت عني غطائي، هابا من فراشي، موقدا بأصابع مرتعشة المصباح الأحمر النحيل - الذكرى المتبقية من ليالي حبيبتي - الواقف فوق الكومودينو، حيث كنت أكثر لهفة من إضاعة الوقت في بلوغ مفتاح لمبة ال 150 واطا المجاور للباب. هرعت في خطوة واسعة للنبتة. أبصرتها وقد طالت، وظهر لها فروع، وفي نهاية كل فرع ثمرة تشبه زهرة القطن. لم أجرؤ على لمسها، لكني بكيت حامدا الله. تتوءمت اللحظة ولحظة ولادة ابني البكر، وكيف صحت حين صاح صيحته الأولى. صيحة الفرح حدث لم أمر به منذ سنوات. سنوات أتألم - فقط - حينما أدرك أنها بعيدة. لكني سأتدرب على عدم تذكر هذه الحقيقة. وأداوم على زراعة هذا النبات الجميل. ربما يأتي القمر لزيارته مرة أخرى. وساعتها، سأعزمه على اليانسون، والعشاء، ولعب الطاولة، بل المبيت إلى الصباح أيضا.
ذات النمل
قلوقة من يومها، ومع ذلك أحبها. ربما أحب فيها قلقها هذا نفسه، لأنه يشبه قلقي. جلستها معي كاريكاتير مضحك يمثلني. النصيحة التي أحتاج إليها من الجميع أجد نفسي أوجهها إليها ولا أرسطو شخصيا، باسما في أحيان، وضاحكا في أحيان أخرى. نعم، وفرت لي تلك الفرصة الماسية كي أشعر بأني طبيعي، أو مدرك لأخطائي، بل أنصح الآخرين بما يحلها!
في هذه المرة، علا ضحكي. كانت واعية أنها تحكي بطريقة تثير التهكم منها، لكن المصيبة أن قلقها هذه المرة كان حقيقيا. حكت لي بصوت خفيض - وكأن أجهزة مخابرات ثلاث دول تطاردها - أن النمل انتشر في شقتها، وفي غرفتها تحديدا. حاولت أن أخفف من كلامها أو أقلبه إلى عادي، متذرعا بأننا نعيش فصل الصيف، في دولة أفريقية مزدحمة، والنمل يعيش فتوته تحت هذه الظروف. لكن أعتى أبطال الكلام في التاريخ ما كانت لهم القدرة على مقاطعتها في تلك المرة.
حسنا، قصت بتفاصيل تراها مهيبة أنها كلما جلست للقراءة على الكومبيوتر، تظهر نملة على ذراع من ذراعيها. بعد قليل يتكرر الأمر. ثم يحدث كل خمس دقائق. أخبرتها، وصقيع الإسكيمو يمرح بانطلاق في صوتي، أن النمل ظنها كورنيش النيل، ويتمشى عليها متنزها، لكن بطريقته الشهيرة بالنظام. حدقت لي بعينيها العسليتين في لحظة تشع نورا قمريا عذبا، ثم تابعت مع تبريقة وضغط على أسنان يهدد سخريتي؛ بأنها غيرت مكانها في الشقة، أكثر من مرة، ومع ذلك يحدث عين الأمر مجددا.
صفحه نامشخص