صدای اعماق: خوانشها و مطالعات در فلسفه و روان
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
ژانرها
بعد ذلك فكان ظهيرا قويا لنظرية الأنظمة التي غدت جزءا مكملا للغة العلمية الجديدة ومدمجا بها، وأسهمت في إيجاد الكثير من مناهج البحث الجديدة والتطبيقات العلمية من قبيل هندسة الأنظمة وتحليل الأنظمة وديناميكا الأنظمة ... إلخ.
بدأ لدفيج فون برتالانفي حياته العلمية كعالم بيولوجي في فينا في العشرينيات. وما لبث أن انضم إلى جماعة العلماء والفلاسفة التي تعرف بحلقة فينا. واشتمل عمله في البداية على مسائل فلسفية عريضة المجال. وكان كغيره من أصحاب النزعة العضوية
organists
من البيولوجيين؛ على إيمان راسخ بأن الظواهر البيولوجية تتطلب طرقا جديدة من التفكير تتجاوز الطرق التقليدية لعلوم الفيزياء، فشرع يستبدل بالأسس الميكانيكية للعلم نظرة شمولية كلية، مؤملا أن يؤدي التوسع في نظرية الأنظمة في المستقبل إلى أن تصبح مبحثا رياضيا يجمع بين البنية الصورية البحتة وبين قابلية التطبيق على مختلف العلوم الإمبيريقية. وعلى الرغم من حلمه بنظرية رياضية صورية فقد أراد برتانلافي أن يقيم النظرية العامة للأنظمة على أساس بيولوجي صلب؛ فقد كان الرجل يضيق بهيمنة الفيزياء على العلم الحديث، ويؤكد الفرق الجذري بين الأنظمة الفيزيائية والأنظمة البيولوجية.
ولكي يبرهن على هذه الوجهة من الرأي أشار برتالانفي إلى المعضلة التي حيرت العلماء منذ القرن التاسع عشر، عندما دخلت فكرة التطور إلى ساحة التفكير العلمي. فإذا كانت ميكانيكا نيوتن علما للقوى والمسارات، فإن الفكر التطوري - فكر التغير والنماء - كان يتطلب علما جديدا للكيانات المركبة المعقدة.
كانت الصياغة الأولى لهذا العلم الجديد هي الديناميكا الحرارية الكلاسيكية و«قانونها الثاني» الشهير؛ قانون تبدد الطاقة. ينص القانون الثاني للديناميكا الحرارية، والذي صاغه لأول مرة الفيزيائي الفرنسي سادي كارنو بلغة تكنولوجيا المحركات الحرارية، على أن «هناك ميلا في الظواهر الفيزيائية للتحول من النظام إلى الفوضى»، وبمقتضاه يميل أي نظام فيزيائي معزول أو «مغلق» إلى المضي تلقائيا باتجاه الاضطراب المتزايد على الدوام.
وقد شاء علماء الفيزياء أن يعبروا عن هذا التوجه في الأنظمة الفيزيائية بصيغة رياضية دقيقة، فأدخلوا كما جديدا أطلقوا عليه «الإنتروبي»
entropy . ويمكن أن نعتبر الإنتروبي «مقياسا للاضطراب». وبمقتضى القانون الثاني فإن إنتروبي النظام الفيزيائي المغلق هو ازدياد مستمر؛ لأن تطور النظام المغلق هو تطور مصحوب باضطراب متزايد.
بهذا المفهوم للإنتروبي وبهذا المنطوق للقانون الثاني، أدخلت الديناميكا الحرارية إلى العلم فكرة العمليات غير المتراجعة أو فكرة «سهم الزمن». بموجب القانون الثاني فإن شيئا من الطاقة الميكانيكية يتبدد دائما إلى طاقة حرارية لا يمكن استردادها تماما. بذلك تكون آلة العالم بأكملها في تلكؤ مستمر سوف ينتهي به المطاف إلى التوقف.
اصطدمت هذه الصورة القاتمة لتطور الكون بالفكر التطوري لبيولوجيي القرن التاسع عشر الذين لاحظوا أن العالم يتطور من الاضطراب إلى النظام، ومن حالة الفوضى إلى حالات تعقد متزايد أبدا. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر كانت ميكانيكا نيوتن (ميكانيكا المسارات المتراجعة الأبدية) قد ألحق بها نظرتان للتغير التطوري على تناقض تام؛ الأولى تصور عالما حسيا منبسطا تجاه مزيد من النظام والتعقد، والثانية تصور آلة تتباطأ وعالما يزداد اضطرابا وفوضى. فمن كان على حق، دارون أم كارنو؟
صفحه نامشخص