صدای اعماق: خوانشها و مطالعات در فلسفه و روان
صوت الأعماق: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
ژانرها
، الجزء الثالث، الفصل التاسع، يعرض أرسطو للمعايير التي تميز «الدولة» مثل «ذلك النظام الذي يحقق الأمان من الظلم»، أو «ذلك النظام الذي يضمن التبادل التجاري»، ويبين أرسطو قصور هذه المعايير، ويخلص إلى أنه: «يوجد المجتمع السياسي من أجل الأفعال النبيلة لا من أجل مجرد الاجتماع أو الرفقة.» ولكن ماذا لو كانت هناك صور كثيرة للحكومة؟ يقول أرسطو إذا كانت فضيلة المواطن وفضيلة «الإنسان الصالح» مختلفتين فلا بد أن تكون فضيلة المواطن نسبية تتوقف على الدستور الذي يشمله كعضو فيه. ومن ثم فليست هناك فضيلة واحدة للمواطن الصالح تعد هي الفضيلة الكاملة، بعكس فضيلة «الإنسان الصالح». يفيد الاستبصار الأنثروبولوجي، وهو نتيجة الدراسات المقارنة، أنه في بعض الحكومات يكون «الإنسان الصالح» و«المواطن الصالح» شيئا واحدا، وفي بعضها الآخر يكون شيئا مختلفا. فإن كان الإنسان والمواطن شيئا واحدا تكن هذه هي دولة المدينة الحقيقية؛ وذلك لأن في دولة المدينة توجد الحكومة لكي تخلق البشر الفاضلين. تتصف الطبيعة العليا للإنسان بامتلاك العقل، وهذا لا تمكن ممارسته إلا في دولة المدينة، من خلال الحياة في ظل القانون، أي الحياة التي تدار وفقا للعقل ويوكل أمرها لا إلى نزوات أفراد في السلطة بل إلى أوامر عليا، إلى القوانين بوصفها أحكاما وقضايا. تقدم دولة المدينة نموذجا مثاليا أو معياريا للفضيلة السياسية المتصلة بماهية الإنسان، أي العقل.
تعميم الاستبصار الأنثروبولوجي
يمكن أن ننظر إلى استبصار أرسطو بوجود أساليب عديدة لتنظيم الحكومة على أنه حالة خاصة من دعوى التعدد الثقافي التي يمكن أن تمضي هكذا: ثمة عدد لا يحصى من اللغات المتمايزة ومصاحباتها من الممارسات القولية والمادية تشكل ثقافة متمايزة. ثمة استنتاجان يمكن استخلاصهما من هذه الملاحظة الإمبيريقية: الأول: يذهب إلى أنه ليس هناك ثقافة عالمية في واقع الأمر، وهو استنتاج ما يزال متساوقا مع فكرة وضع مراتب لشتى صور الحياة وفقا لقيمة مطلقة ما. غير أن هناك أيضا استدلالا ثانيا يمثل دعوى نسبية متطرفة يقول بأنه لا سبيل إلى وضع مراتب للثقافات القائمة وفقا لقيمة مطلقة. (5-2) الاستبصار البنائي «كانت»
ذهب إمانويل كانت إلى أن المعرفة وإن كانت تستمد مادتها الخام من التجربة (الحدوس/العيانات الحسية) إلا أنها تشكل وفق المبادئ العامة للعقل، أي «المقولات»
categories
التي يضفيها الذهن من عنده من أجل تشكيل التجربة في صورة معرفة. ولما كانت المعرفة تتخذ صورة الأحكام (القضايا) فلا بد أن تكون هذه المقولات مرتبطة بصورة الأحكام. استنبط كانت قائمة مقولاته على أسس شكلية، ثم انتقل إلى إثبات أن من المحال بدون المقولات قيام أية تجربة يمكن نقلها للآخرين. أما عن المكان والزمان فهما إطاران ذاتيان «قبليان» للحساسية ينتميان إلى الحدس الخالص للعالم الخارجي والداخلي على التوالي، وبدونهما أيضا تستحيل التجربة. وفي هذه الناحية يكون المكان والزمان مشابهين للمقولات. وهكذا فإن التجربة تتشكل بتصورات «قبلية»
a pirori .
العالم كما نعرفه، إذن، هو «تشييد/بناء»
construction
عقلي يسبغ النظام على فوضى العيانات الحسية، والنظام المكاني والزماني والسببي هو بالتالي انعكاس للبنية المنطقية للصور الممكنة للحكم. وبذلك يكون الاستبصار البنائي الكانتي مقيدا قبليا بفرادة مجموعة صور الأحكام.
صفحه نامشخص