فتفكرت قليلا ثم قلت متحيرا: كان يوجد رجل سمين يواظب على التهامك بعينيه في ذلك العهد الذي كنت أحوم فيه حولك، أفلا يجوز أن يكون هو؟ فزوت ما بين حاجبيها مستذكرة، ثم قالت وهي تهز رأسها: لا أعلم عنه شيئا!
وحاولت أن أذكرها به؛ ولكنها بدت وكأنها لم تحس له وجودا، فقلت بيأس وغيظ: أريد أن أعرفه كي أؤدبه.
فقالت بصوت دلت نبراته على التعب: ليكن من يكون! لو لم يدفعني الارتباك إلى تمزيقه لكنا نقرؤه الآن ضاحكين، فهلا نسيته وحسبنا ما نالنا من كدر!
فعضضت على شفتي، وجنحت إلى الصمت مغيظا مقهورا، فاستطردت قائلة: إنه أمر تافه، بل أتفه من أن يستحق كل هذا الاهتمام.
فتنهدت قائلا وأنا لا أدري: ليتك لم تمزقيه!
والتمعت في عينيها نظرة غاضبة وتساءلت بحدة: ألا زال يساورك الشك؟
فقلت بعجلة: كلا .. ولكني لن أهدأ حتى أؤدبه!
فقالت بضجر: ولكنا لا نعرفه، فما العمل؟
وأحنقني قولها، ولكني تحاميت الإفصاح عن حنقي أن أستثير غضبها. وكأن الوقوف أرهقها فمضت إلى كرسي التواليت وجلست عليه، وشعرت عند ذاك بألم في ظهري، فدلفت من الفراش واقتعدت حافته. إنها صادقة بريئة، والأمر جد تافه، فليتني أستطيع أن أمحو من مخيلتي صورة يديها وهما تمزقان الخطاب! لعل المجرم أحد أولئك الفضوليين الذين يراقبونها في ذهابها وإيابها! فليتني لم أخلق فريسة سهلة لأنياب الغيرة. إني أعرف نفسي جيدا، وإني لأغار من الوهم ومن لا شيء! فأين مني جزيرة نائية لم تطأها قدم رجل!
وطار الخيال بغتة إلى حجرة أمي فسرت في جسدي قشعريرة وخلتها تقول لي: «ألم أقل لك؟»، فنفخت كمن يزيح عن صدره كابوسا، ولاحت مني التفاتة نحو «رباب» فوجدتها تحملق في وجهي بدهشة، فخطر لي خاطر جديد لم أتوان عن الإفصاح عنه فقلت برقة: رباب، لماذا تواصلين خدمتك في الحكومة؟! لماذا تتجشمين هذه المشقة بلا ضرورة؟ لماذا لا تقنعين ببيتك كغيرك من الأزواج؟
صفحه نامشخص