85

تلك يومها جمعة الآلام، وهذه يومها شم النسيم.

تلك تشكو ويخيل إليك أنها ذات أرب في بقاء الشرور تستديم بها معاذير الشكوى، وهذه تشكو كما يبكي الطفل لينال نصيبا فوق نصيبه من الحلوى.

تلك مولعة بمداراة نقائصها لتبدو كما تتمنى أن تكون، وهذه مولعة بكشف نقائصها لتمسح عنها وضر الخجل والمسبة، وتعرضها في معرض الزينة والمباهاة.

تلك لها عدة المتانة والمجاملة، وهذه لها عدة الرخاصة والبساطة، لو عملت تلك عمل الرجال لانتظمت في السلك السياسي، ولو عملت هذه عمل الرجال لانتظمت نديما في حاشية أمير مفراح.

كلتاهما جميلة، ولكن الجمال في هند كالحصن الذي يحيط به الخندق، أما الجمال في سارة فكالبستان الذي يحيط به جدول من الماء النمير، هو جزء من البستان لا حاجز دون البستان، وهو للعبور أكثر مما يكون للصد والنفور.

تلك ذات طموح وهمم، وهذه تحسب الواقع الذي يوائمها خيرا وأشهى من كل مطمع ومن كل همة.

تلك تعطيك خير ما أعطت على البعد والحيطة، وهذه تعطيك خير ما أعطت على القرب والسرف.

كلتاهما ذات ثقافة وألمعية، لكن ثقافة هند إلى المعرفة، وثقافة سارة إلى الفطرة.

ولو نسينا العرف والاصطلاح لحار الإنسان أيهما أقوم في السجايا والأخلاق، ولكن الذي لا ريب فيه ولا حيرة فيه أن سارة أرجح وأصلح قبل أن ينزل التكليف على أبناء آدم وحواء، وأن هندا أرجح وأصلح حيثما نزل تكليف ... أي تكليف! •••

وما زالت الصور النسائية تتوارى وتتهافت في بديهة همام حتى احتجبت كل صورة إلا هاتين الصورتين المتقابلتين، إحداهما قائمة في محراب، والأخرى باثقة كالزهرة من زبد العباب! وتعاقب الأيام فأصبحت صورة فنية نفيسة لا تقوم بمال ومثلت الأخرى كما كانت تمثالا من لحم ودم. •••

صفحه نامشخص