واتفق وقتئذ أن قدم عنقاش يفدد على شراء السلع القديمة وعلى إصلاحها أو على مقايضتها أو على صبغها. وأدعى أنه يقدر أن يعيدها إلى لونها الأول وأنه لا يعجزه شيء من أحوالها بحيث أن صاحب السلعة نفسه إذ رآها بعد صبغها وتصليحها يتعجب منها غاية العجب ولا يعود يعرفها. وإنه أي العنقاش لما بلغه في بلاده فساد تلك السلع أقبل حفدًا إلى تلك البلاد وهو يحمل خرجًا كبيرًا فيه من الأصباغ والأدوات ما يرفأ كل خرق ويعيد كل لون نافض. فسار إليه الفارياق عجلًا إلى المقايضة وواطأه على إبدال ما عنده من السلعة القديمة بأخرى جديدة راقت لعينه. فقد يقال لكل جديد بهجة. ثم قفل إلى منزله مسرورًا بصفقته. فلما علم أهله وجيرانه بذلك استشاطوا عليه غيظًا وقالوا. لعمر ربّ الجنود ما جرت العادة في بلادنا بتغيير البياعات ولا بمقايضتها ولا بإصلاحها ولا بصبغها. ثم لم يلبث الخبر أن بلغ مطران الصقع وكان من الضواطرة الكبار. فكأنما كان سكينًا سقط على حلقومه. أو خردلًا دخل خرطومه. فهاج وأزبد. وأبرق وأرعد. وماج واضطرب. وضج وصخب. وألبّ وحزب. وبربر وثرثر. وأقبل وأدبر. وزجر ونهر. ووثب وطفر. وفتل لحيته من الغيظ حتى صارت كالمقرعة. وأغرى كل حنتوف مثله بأن يهيج معه. ونادى يا خيل الله على الكفار. أنهم صالوا النار. كيف تجرأ هذا الشقي المنحوس. المعتوه المهلوس. على أن يذهب مذهبًا غير ما نهجه له جاثليقه. وسلكه فيه بطريقة. وكيف أقدم بوقاحته. وصفاقة وجهه وقباحته. على معاملة ذلك العنقاش اللئيم. ومبايعته ما ورثه من آبائه من الزمن القديم. أليس في بلادنا صلب. وادهاق ويلب. هلموا به مُهانًا. اجلدوه عريانًا. اطرحوه نيرانًا. ألقموه حيتانا. أطعموه دمانا. اقطعوا منه لسانا. اسقوه الزناني. عليّ به الآن الآن. فابتدر بعض الحاضرين وقال انا آتيك بهذا الجعشوش بأسرع من رد طرفك إليك. ثم وليّ حفدًا إلى الفارياق فوجده مكبّا على قراءة الدفتر الذي فيه أثمان السلعة. فتناوله بالسيف فأصاب فروته. ثم سيق الفارياق إلى الجزار المشار إليه. فلما بصر به انتفخت أوداجه واتسع منخراه وتعقدت أسرة جبينه واصفرت شفتاه. ورقص شارباه واحمرت حدقتاه. واحترقت أسنانه ودارت بينهما هذه المحاورة: قال الضوطار ويلك يا مغبون، ما دعاك إلى المساومة في سلعتك؟ الفارياق إذا كانت هي سلعتي كما أقررت فما الذي يمنعني من ذلك؟ الضوطار ضللت. هي سلعتك من حيث أنك ورثتها من آبائك لا من حيث أن لك حق التصرف فيها.
الفارياق هذا خلاف العادة والحق فإن ما يرثه الإنسان يحق له التصرف فيه الضوطار كذبت. إنك إنما ورثتها لتحفظها لا لتضيعها ولا لتبادل بها الفارياق هي ميراثي أفعل به ما أشاء الضوطار قبحت إني أنا القيّم عليه الصائن له من الشوائب الفارياق ما بلغنا عن أحد أنه تولى ميراث غيره إلا كان الوارث غير راشد الضوطار غويت. أنك أنت غير رشيد وأنا وليُّك ووصيك وكفيلك ووكيلك وحسيبك الفارياق ما الدليل على أني لست من الراشدين ومن ذا الذي جعلك وصيا ووليًا الضوطار زغت. إنما الدليل على غوايتك وضلالك هو أنك تبدلت به متاعا غيره وإما كوني وصيا فإن جميع أمثالي يشهدون لي به كما أني أنا أيضًا أشهد لهم بأنهم أولياء غيرك الفارياق ليس تبديل شيء بآخر دليلًا على الضلال والزيغ إذا كان المبدل والمبدل منه من جنس واحد. ولا سيما أني رأيت لون القديم يوشك أن ينصل وقد ركت رقعته فتبدلته بما هو أزمى وأقوى الضوطار كفرت. إنه غشي على بصرك فما تستطيع أن تفرق بين الألوان الفارياق كيف ذلكولي عينان ناظرتان ويدان لامستان الضوطار عميت. فإن الحواس قد تغش ولا سيما حاسة البصر الفارياق إذا كانت حواسي قد غشت فكيف سلمت حواسك من الغش وأنت بشر مثلي الضوطار حِنت. إني وأن كنت بشرًا مثلك لكني وكيل من طرف شيخ السوق. وقد أفادني مما أودع الله فيه من الأسوار العجيبة أن لا يطرأ عليّ غبن ولا إلا وتبينته لأنه هو منزه عن الغش فقال القارياق وكان به فأفأة. وأين شيخ الفسوق هذا ثم إستدرك كلامه وقال إنما أردت شيخ السوق. فلا تكن زيادة هذه الثمانين موجبة لحد الثمانين.
الضوطار لعنت. هو بعيد عنا بيننا وبينه أبحار وجبال. غير أن أنفاسه القدسية تسري فينا
1 / 57