ثم أنه قام بعد ذلك يحمد الله على كبر عمامته فإنها هي التي وقت رأسه عن إحدى الشجات العشر وهي القاشرة الحارصة الباضعة الدامية المتلاحمة السمحاق الموضحة الهاشمة المنقلة الآمة الدامغة. ولكنه قام محقوا ويومئذ عرف إن لكبر العمامة فضلا ومزية. وظن أن اتخاذ العمائم الكبيرة عند أهل بلاده إنما هي لوقاية رؤوسهم فقط لا لتحسين وجوههم. فإن العمامة الضخمة تخفي محاسن الوجه وتشوه الوجه الصغير فضلا عن كونها توجع الرأس وتمنع صعود الأبخرة من مسامه كما نص عليه الساعور الأكبر. فإن قيل إذا كان سبب اتخاذ العمائم الكبيرة إنما هو لوقاية الرؤوس لا للزينة والتحسين فمال بال الذين يرقدون ليلا يتعممون. فهل يخافون أن تتدحرج رؤوسهم عن مصادغهم فيسقطوا في مهواة في بيتهم. مع إن فرشهم تكون على الأرض. قلت أن منشأ هذه العادة هو أن نساء تلك البلاد يتخذون في رؤوسهن هذه القرون التي يقال لها هناك طناطير. وهي تكون من فضة أو ذهب في طول الذراع وغلط الرسغ. فإذا بات الرجل مع امرأته حاسر الرأس أو كان على رأسه غطاء رقيق لم يأمن أن تنطحه بقرنها على قرنه فتمنيه بإحدى الشجاج المذكورة. فإن أبيت إلا اللجاجة وقلت ما سبب هذه القرون الحسية. هل هي دليل على التذكير بالقرون المعنوية عند مخالفة الرجل لامرأته. أو عند تقتيره عليها أو أجفاره عنها. أو هي من قبيل الزينة أو من بطر النساء وشرهن بحيث إذا شممن رائحة الأيسار من أزواجهن رأين أن كل مجس من أجسامهن قمين بالحلي والزينة. إذ كن يعتقدن أن المستور منها عن عيون الناس غير مستور عن عيونهن وعيون بعولتهن. وإن كان في المسألة خلاف عظيم، وتحليل وتحريم. وإن في التزين بحلي غير ظاهر للذة عظيمة. فإن مجرد العلم بإحراز شيء ثمين يسر صاحبه. كما لو أحرز إنسان كنزًا في حرز محجوب فإنه يفرح به من غير أن ينظر إليه. قلت إما التذكير بالقرون المعنوية فغير مظنون في نساء تلك البلاد لكونهن من ذوات العرض والتصاون. ولا سيما نساء الجبل. وفضلًا عن ذلك فإن هرواة الزوج ومقامع أهله وأهل امرأته وعيون الجيران أيضًا تمنعها عن الاتصاف بالصفة الزوجية التامة. أما في المدن فإن هذه الصفة أقوى وأفشى. وإنما كان اتخاذ هذه القرون في الأصل مناطًا للبراقع. وكانت في مبدأها صغيرة قصيرة ثم طالت وكبرت بطول الزمن وكبر الدينار. وكلما زاد إيسار الرجل وماله زاد قرن امرأته طولا وضخامة.
وهنا فائدة لا بد من ذكرها، وهي أن لفظة القرن من الألفاظ التي اشترك فيها جميع اللغات كالصابون والقطّ والمزج وغيرها. وقد شهرت عند جميع المؤلفين بأنها كناية عن كذا وكذا من طرف زوجها. إلا عند المؤلفين من اليهود فإن الصفة القرنية في كتبهم من الصفات الحميدة. ولذلك فكثيرا ما تسمع في كتاب الزبور ارتفع قرني، وأنت رافع قرني وأني أنطح بقرني وما أشبه ذلك. وفي كلا الاستعمالين غموض وإِبهام. أما غموض استعمال القرن عند المؤلفين من غير اليهود كناية عن خيانة المرأة زوجها فلان هيئة القرن على عضو مخصوص من أعضاء الإنسان. وحقيقته أيضًا لا تدل على حيوان مخصوص. فإن الثور والوعل والتيس والكركدن في ذلك سواء، ولفظه كذلك غير مشتق من فعل يشير إلى خيانة أو ضمد.
فما علة هذا الاستعمال، وقد استفتيت في هذه المسألة المشكلة كثيرًا من المتزوجين المجرذين. فكلهم كان يتخيف ألوانًا عند سؤالي له. ويجمجم في كلامه ويقوم من عندي وقد خجل ووجم. فإن فتح الله الآن على أحد ممن يطالع كتابي هذا في فهم حقيقة ما يراد من هذا الحرف عرفًا واصطلاحًا. وفي بيان سبب استعماله كناية عن الضمد فليتفضل بالجواب منةً وإِحسانًا. فأما استعماله من مؤلفي اليهود كناية عن العزة والقوة والمنعة والغلبة فإنه يرد عليه ما ورد على الأول من أن كثيرًا من الحيوانات قد اشترك فيه. ومنها ما هو غير ذي قوة ولا بأس. فأنظر اختلاف الناس في لفظة واحدة ومعنى واحد.
أما العمامة، فإن اشتقاقها فيما أرى من عم بمعنى شمل لأنها تعم الرأس وهي على أشكال مختلفة. فمنها الحلزوني، والكعكي والإطاري، والمكوري، والمقوّري، والقهقوريّ، والقرطلي والقبعلي. وكلها على أصنافها أحسن من هذه الأجران التي تلبسها رؤساء المارونية في الدين فلينظروا وجوههم في مرآة جلية.
نوادر مختلفة
1 / 10