وكان يوري وسيما محدثا، ولم يعدم قط من النساء العطف عليه والمرثية له.
فشرع يحدثهما متفكها في أول الأمر، غير أنه لم يلبث أن عاودته نغمته المألوفة فأطال في الكلام في نفسه، ويظهر مما قال أنه رجل ذو مواهب عظيمة سحقتها قوة الظروف، وأساء فهمها حزبه وقضى عليه نحس الطالع وحماقة الناس ألا يكون أكثر من طالب منفي لا زعيم أمة.
وكان يوري ككل الراضين عن أنفسهم لا يستطيع أن يدرك أن هذا ليس من شأنه أن يثبت عظم مواهبه، وأن ذوي العبقرية يلتف بهم مثل رفقائه وتعترض سبيلهم مثل هذه الكوارث والمصائب، ولكنه كان يتوهم أنه هو وحده فريسة قدر لا يرحم.
ولما كان محدثا بارعا وكان في كلامه قوة وحياة فإن ما يقوله كان يكتسب رنة الصدق، فتصدقه الفتيات ويعطفن عليه ويشاطرنه الأسى لما نزل به.
وكانت الفرقة لا تزال تعزف ألحانها الحزينة المتنافرة والليل حالك ثقيل الطل فاكتأبوا جميعا. ولما كف يوري عن الكلام سألته دوبوفا وهي تفكر في حياتها المملة الفاترة وصباها البائد قبل أن تدري ما الطرب أو الحب: «قل لي يا يوري؟ ألم تخطر لك فكرة الانتحار؟»
أجاب: «لماذا تسألينني هذا؟»
قالت: «لا أدري لماذا؟»
وصمتوا جميعا.
ثم سألته سينا بشيء من التلهف: «إنك عضو في اللجنة. أليس كذلك؟»
فأوجز يوري في الجواب مجتزئا بنعم.
صفحه نامشخص