صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
ژانرها
تستطلع أمي ردائي ذا الحمالتين بتحفز؛ حيث يتلصص على حوافه برعمان أبيضان، كطفلين حديثي الولادة يستكشفان عالمهما. تقطب أمي جبينها وهي تأمرني بخلع الرداء. تخبطني بطرف كفها علي نهدي بضربة خفيفة، وتغمز لي قائلة: «في البيت صبيان!» تتركني، وتغلق باب غرفتي خلفها.
نعم أمي! أعلم أن لدي خمسة من الإخوة، ولكنك نسيت أن تذكري أن أكبرهم يصغرني بستة أعوام. ما زالت تفاصيل يوم مجيئه محفورة في رأسي كنقش.
البيت تحول لما يشبه غرفة توليد الكهرباء، شحنات زائدة متطايرة في أرجاء المكان، والجميع مضطرب، صرخات أمي المتواصلة، وتحركات أبي وأنفاسه المتقاطعة بطول الصالة وعرضها، وجدتي التي تخرج كل حين لتطمئنه، وأنا أعلم ماذا يحدث، وإن كنت لا أستوعب لماذا منعوني من الدخول لرؤية أمي.
صراخ آخر ليس كصراخ أمي، ليس كصراخ استغاثاتها، بل إنه يشبه طرق أبواب الحياة، شرع له كل من في البيت كفوفهم مرحبين، استقبلوه بزغاريد، وأبي أسرع إلى غرفته، ففتح علبته الفضية المخبأة بين طيات بذلته، وأخرج مسدسه، وحرر من سطح منزلنا طلقاته الست التي رجت الحي كله، وهو يتلقى التهاني والمباركات، رغم تسببها في هروب أسراب الحمام أياما عدة.
أستغرب جدا أن الجميع أصبحوا يكنون أمي بأخي الذي يصغرني ببضع سنوات. في البداية، ظننت ذلك من بواعث فرحة والدي، بعد محاولات مضنية لإصلاح عطب لحق برحم أمي أثناء ولادتي، وحينما استمر الوضع فسرته تكفيرا عن ذنبي؛ باعتباري السبب في تأخر الحمل، فتقبلت العقاب كندبة، فيما حمله والدي كوسام زرعه على صدره.
لم يكتف والدي بذكر واحد، وأراد تأكيد رجولته، فأجبر أمي على المضي قدما، حتى أصبحنا نصف دستة؛ خمسة ذكور وأنا. كانت أمي كلما شكت كثرة الأبناء وطلباتهم لكزها أبي، وذكرها بوالدها الذي ظل طوال عمره عالقا باسم ابنه الذي مات طفلا في حادث، ورغم بناته الأربع حمل جدتي مسئولية قطع نسبه في الدنيا، فهجرها وهي على ذمته ثلاثين عاما.
كان أبي كثيرا ما يتفاخر بنا ككتيبته الخاصة، يدخلنا في صف على ضيوفه وأقاربه من بلدته الذين يزوروننا كل بضعة أعوام، وكانت أمي تنهره دائما بقولها: «داري على شمعتك تقيد، عندك 5 صبيان وفيه ناس نفسها في ظفر واحد!»
في البداية، كنت أقود كتيبة أبي. يستجوبني الأقارب على طريقتهم الصعيدية: «إنت بنت مين؟» فأسرد نسب أبي الذي حرص على تلقينه لي، فيما يتباهى أبي بي، ثم أنسحب سريعا حسب تعليمات أمي: «البنات لا يجالسن الكبار.»
بعد حين، تقهقر وجودي ضمن كتيبة أبي، ولم ينشغل والداي كثيرا ما دام إخوتي الصبية يقومون بالواجب، وحينما يسأل أحد الضيوف عني لا أدخل إلا معلقة بطرف رداء أمي، وسط ثناء الحضور لخجلي البكر.
كانت مشاحنات جدي وجدتي تنغص علينا حياتنا كمتوالية يومية، كانت تجرحني اتهاماته لها كطلقات نارية. وفي يوم، أيقظنا طرقه الحاد على بابنا ملوحا بدليله لإدانتها؛ ورقة مرسومة بها خطوط عجيبة، فسرها أحد المشعوذين بأنها «عمل سحري» نفذته جدتي لتفشل محاولاته للزواج وإنجاب ذكر يحمل اسمه من بعده.
صفحه نامشخص