صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
ژانرها
أعيد رص بضاعتي. أشعر بها اليوم كعروس، أمسح أتربة وجهها اللامع بحرص مبالغ وكأنني أزيل عنها الشيب. أتذكر توبيخات زوجتي لخروجي طيلة أيام العيد وتركها فريسة لتعليقات جاراتها وأمها عن العائد من كل هذا، خاصة بعد تجاهلي نصائح الجميع بإضافة بعض البضائع الحديثة، كالصواريخ والبمب، التي تلاقي رواجا في مثل تلك المناسبات.
أتذكر أنا وحدي ذعرها حين سمعت انفجاراتها لأول مرة، وانتفاضتها بين ذراعي في ليلة تشبه هذا العيد. وحينما أخبرتها عن مصدرها كافأتني بقبلة على وجنتي؛ لأنني اكتفيت ببضاعتي السلمية البريئة.
أعيد رسم ملامحها من تلك الوجوه الملائكية التي تعبث ببضائعي، مترددة في الاختيار بين غطاء الرأس القرطاسي والبالونات وشرائط الشعر، أو الاكتفاء بغزل البنات والذوبان عشقا بين بلوراته.
كانت تنتظرني في كل ليلة عيد، تتشبث بأطراف أناملها بشباكنا اليتيم، وتتعلق عيناها بأكياس البضاعة، ثم تفضها متلهفة، وتختار عيديتها بنفسها. لونها المحبب ذلك العام سيكون الأبيض بلون رداء دمية ابنة جارتنا الجديدة، أمنحها بالونا أبيض بلون براءتها، وقبلة تنام ضاحكة على جبينها.
تقف هي بجانب عربتي الخشبية، أستلم أنا النقود، وهي تسلم الزبائن مشترياتهم. تفضل أن تمنحهم هي الفرحة؛ لتشعر برعشة أناملهم، وهم يستلمون بالونا أو طرطورا يرتدونه كملوك متوجين، وغزل بنات لا يضاهيها حلاوة.
منذ رحيلها، وأنا ما زلت أتعلق بهذا الشباك في كل عيد، وأحتفظ لها بأول بالون في جيبي. ما زلت أحتفظ لها بالأبيض، ولكنه تلك المرة يذكرني بلون ردائها الأخير. •••
جميلة هي شوارع المدينة في اليوم الرابع للعيد، يظللها هدوء من ساكنيها وأطفالها وجزاريها ومذابحها ودمائها. أجر قدمي بعد أيام متواصلة من العمل، أشد وجوها، وأرفع شعورا، وألون أحلاما كساحر، بينما وجهي أنا خال إلا من الخيبة والتعب، ترتد إلي خطواتي كرصاص مجرد من الصوت رغم ما يبثه من أنين.
ألمحها تجر قدميها خلف أمها المتلحفة بردائها الأسود الريفي، تهش النوم عن جفونها وهي تلاحقه ببضاعته فوق عربته الخشبية حيث يعيد ترتيبها في تؤدة، تشد طرف أمها، تهمس لها برغبتها، فتسرع الأخرى خطواتها، وهي تحمل بيدها الأخرى مشنتها، تلحق بخطوات أمها، ورقبتها تلتوي لهفة على تلك القراطيس اللامعة.
أسرع إليه، وأضع بين كفيه عملتين؛ ثمنا لقرطاس لامع تزينه شرائط وردية تشبه عمرها، وأعدو خلفها. يتابعني هو مبتسما، وحينما أصل إليها أهديها تاجها، وتمنحني أمها بضع دقائق أضيف لوجهها الملائكي قصة جديدة لشعرها. يأتينا بعربته، فيخرج من جيبه بالونا أبيض ويمنحه لها عيدية.
ذاكرة نظيفة
صفحه نامشخص