صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
صندوق لا يتسع للأحلام: مجموعة قصصية
ژانرها
ويزداد الكون من حولي رثاء، وتتوالى الأنفاس، ثم تتقطع وتختنق بفعل «الأسود»، ويزداد الاحتكاك، وتتآكل مساحات «الأبيض»، ويحتل «الأصفر» بغروره وصخبه، ثم تختلط الألوان بعنفوانها.
يرتفع المدى جنونا، وجلبة تحتلك، وترتطم حوافك باليابس. وعلى المدى، تحتل الصورة الناقلات العملاقة، وأطنان الأسمنت، وسبائك الحديد. يستبدل بهديرك صخب الرافعات، والشاحنات، وناطحات تأكل روحك، حتى تصبح بالنهاية مجرد «نصب تذكاري» على بطاقات المعايدة.
فقاعة الهواء
يتناول بجرعة واحدة كوب الفوار. تداعب فقاعاته أنفه، فيتمنى استمرار دغدغاتها بعض الوقت؛ لتخفف حدة ضيقه. تفاجئه نوبة تسريح لغازات فمه، فيشعر بقليل من التحسن. «كان علي مقاومة إغراء تلك الأصناف الدسمة، والانصياع لنصيحة الطبيب.» هكذا وبخ نفسه، رغم يقينه بعودته لمجاراة ضعفه الأول.
يلقي النظرة الأخيرة على مظهره، فيسعد بنجاحه في عقد حزام بنطاله أضيق بثقبين، ليقلل محيط كرشه المتدلي بقدر الإمكان، لكنه لم يستطع التمادي في طموحاته مع إلحاح صراع أمعائه، فترك سترته مفتوحة؛ لعلها تهدأ .
بخطوات متراخية، يتجه إلى القاعة. يتمنى لو يتخلص من ثقل غازاته نوبة واحدة. يستقبله أحد المنظمين، ويدله على طاولته التي يتفاجأ بجهله معظم وجوه ساكنيها، فيلعن المنظمين لهذا الفخ.
يتابع، بحقد محبوس كغازاته، ذلك الرابض فوق منصة سطوته وهو يتبختر في خطواته كطاووس، يصافح كبار المدعوين ويصاحبهم لطاولته، فيما يكتفي بتحية باردة له، فيتأسى لعراب كان يوما خادما مطيعا، يقدم فروض نفاقه. «يا لغبائه حينما نصبه نائبا له!» تمتم لشيطانه.
يهمز لجاره بأناقة مضيفه التي أصبحت موضع نميمة في صالونات الصحافيين، ويتساءل، ببراءة مصطنعة، عن أي نوع من صبغات الشعر يستخدمها، غامزا له بأنه لاحظ انخفاضا في مستوى ذراعه اليسرى، ربما كان سببه ثقل ساعته الذهبية المهداة له في زيارته الأخيرة لدولة النفط السخية في عطاياها «لأصدقائها».
يتمنى لو كان بسطوته فيطلق أسراب هداهده بين الطاولات، ليشيعوا بين مريديه كيف أن الصحيفة المرموقة انخفض عدد قارئيها بعد «طلاقه» لها، وأن موقعه المؤسس حديثا تعداها في مؤشر «أليكسا»، وكيف أن الغربال الجديد يحاول جاهدا شد سير العمل، حتى إنه اضطر إلى رفع الرواتب لضمان الولاء.
تلح عليه أمعاؤه المثقلة، فيتناول جرعة فوار أخرى. تمنى لو يصبح، مثل فقاعات دوائه، خفيفا وشفافا، فيرتفع إلى ذلك النجم الساطع على شاشاته الفضائية؛ ليزيح منافسيه. يتذكر صباه؛ حينما كان يستمتع بلعبة الفقاعات، وخاصة عندما كانت تنفجر في وجوه أصدقائه. لم يكن يعلم حينها أن عملية التنظيف تعتمد، أيضا، على الفقاعات وقدرتها على فصل الأوساخ عن سطح الملابس. ربما احتاج أن يكون إحدى تلك الفقاعات؛ ليطهر القاعة من نفاقها.
صفحه نامشخص