وإن المتحقق في السماع يسمع من الباطل حقا، وغير المتحقق فيه يسمع من الحق باطلا كما ذكر عن بعض السلف أنه سمع قائلا يقول: "يا سعترى البري" فغشي عليه فقيل له في ذلك فقال كنت حاضر القلب فسمعت كأنه يقول: "الساعة تري بري".
وإنما يطلق السماع أو يباح لأهله ولمن أدب ظاهره قبل ذلك بالرياضيات (20) والمجاهدات وباطنه بالمراعاة، وعمر أوقاته بالتأدب بآداب السنن، ولم يبق له في نفسه حظ ولا عليه مطالبة من الكون وما فيه
كما سمعت جدي أبا عمرو إسماعيل بن نجيد (21) رحمة الله عليه يقول: "إنما يحل السماع لمن كان قلبه حيا ونفسه ميتا (22) فأما من كان قلبه ميتا ونفسه حيا (24) فلا يحل له السماع".
وسمعت أبا عثمان المغربي (25) يقول: "لا يحل السماع والخلوة إلا لعالم رباني".
وسألت الإمام أبا سهل محمد بن سليمان (26) رضي الله عنه عن السماع فقال: "يستحب ذلك لأهل الحقائق، ويباح ذلك لأهل الورع والنسك، ويكره ذلك لمن سمعه تطربا".
وأصل هذا كله قول الله تعالى: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) (27)، فحقيقة القلب لمن لا نفس له، مخالفة له في أحواله، وحقيقة إلقاء السمع لمن أصم نفسه عن جميع المخالفات فاستمع (28) السماع سمع بحق عن حق كحال (29) الشاهد ممن سمع من الخائفين آية من كتاب الله أو بيت شعر فزعجه ولم يؤثر في غيره من الحاضرين والمستمعين.
والصوت واحد والقوم حضور ولكن إنما أزعجه زيادة حال كامن فيه فقده الآخرون
صفحه ۴