" فائدة " سئل القاضي حسين عن السماع فقال: من تعوده من الفقهاء أو غيرهم في كل أسبوع أو في كل شهر مرارًا فسق وردت شهادته. وقسمه الغزالي: إلى مندوب، ومباح، ومحرم، فمن غلب عليه عشق مباح في زوجته أو أمته كان له مباحًا، ومن غلب عليه الهوى المحرم كان في حقه حراما. وأفتى ابن الصلاح: بتحريم السماع الذي اجتمع فيه الدف والشبابة. وقال الشيخ: السماع على الصور المعمودة منكر وضلالة لم يرد به نبي من الأنبياء، ولا أتى في كتاب منزل، فهو من شمائل أفعال الجهال والشياطين، ومن زعم أن ذلك قربة فقد كذب، وافترى على الله، ومن قال: أنه يزيد في الذوق فهو جاهل أو شيطان. وقال: من نسب السماع إلى رسول الله ﷺ يؤدب أدبًا شديدًا، ويعزر تعزيرًا بليغًا، ويدخل في زمرة الكذابين على رسول الله ﷺ فليتبوأ مقعده من النار، وليس طريقة أولياء الله وحزبه وأتباع رسوله بأهل اللهو واللعب والباطل ويسوغ الإنكار على هذا باللسان والقلب واليد. ومن قال من العلماء بإباحة السماع فذلك حيث لا يجتمع فيه دف ولا شبابة ولا رجال ولا نساء، ولا من يحرم النظر إليه، ولا كلام فاحش، والصغيرة إذا أصر عليها صارت كبيرة، والاحتجاج بالذين لعبوا في المسجد بالمحراب، وبحديث بنى النجار صحيح في النوع المنهي عنه ووافق الشيخ على ذلك علماء عصره من المذاهب الأربعة. وأما ما يكره من الغناء قال: ويكره الغناء بلا آلة وسماعه لقوله: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال ابن مسعود: هو والله الغناء. رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. وحيث قلنا يكره الإنشاد والسماع فذلك إذا كان من زوجته أو أمته لا من أجنبية. أما المباح قال الشيخ كمال الدين الدميرى: ويباح الحداء وسماعه لما روى النسائي فيعمل اليوم والليلة أن النبي ﷺ قال لعبد الله بن رواحة: حرك بالقوم فاندفع يرتجز وكان يحدو بالرجال. روى البهيقى والبزار أن ابن مالك كان يحدو بهم أيضًا. وروى الشيخان: عن أنجشة العبد الأسود أنه حدا بأزواج النبي ﷺ فقال له النبي ﷺ: " يا أنجشة رفقًا بالقوارير " وشبههن بالقوارير من الزجاج لأنه يسرع إليها الكسر وإذا كسرت لا تنجبر وذلك أن الإبل إذا سمعت الحداء أسرعت في المشي واشتدت وأزعجت الراكب وأتعبته فنهاه عن ذلك لأن النساء يضعفن من شدة الحركة. والحُداء بضم الحاء وبالمد كما ضبطه فيقال له الحدو أيضًا وهو تحسين الصوت الشجّي بالزجر المباح وغيره ليخفف الكلام، ويحدث نشاطا في النفس فلم يكن له في الكراهة وجه سواء فيه الحادي والمستمع والله أعلم. وقال الغزالي: والترنّم بكلمات موزونة تعتاد في مواضع: منها الحجيج فإنهم يدورون في البلاد بالطبل والشاهين والغناء وذلك مباح؛ لأنها أشعار نظمت في وصف الكعبة والمقام والحطيم وزمزم وسائر المشاعر ووصف البادية وغيرها وتأثيرها يهيج إليه الشوق إلى حج بيت الله الحرام فإن أضيف إليه الطبل والشاهين زاد التأثير وذلك جائز ما لم يدخل في ذلك المزامير والأوتار التي هي من شعائر الأشرار. ومن المباح أيضًا ما يعتاده الغزاة لتحريض الناس على الغزو وذلك أيضًا مباح كالحجاج. ومن ذلك أيضًا الرجزيات التي سمعها الشيخان في وقت اللقاء والغرض منها التشجيع للنفس والأنصار، وتحريك النفس فيه للقتال والتمدح بالشجاعة والنجدة. وينبغي أن يمنع الضرب بالشاهين في معسكر الغزاة، فإن صوته مرقق يحلل عقدة الشجاعة، ويضعف صرامة النفس، ويشوق إلى الأهل والوطن، ويورث الفتور في القتال، وكذا سائر الأصوات المرققة للقلب. ومن ذلك ما يقال أيام العرس، ومن ذلك سماع العشاق تحركًا للشوق إلى الله تعالى لمن أحب الله وأحب لقاءه، ما لم يكن في جميع ما ذكر ذكر الخدود، والقدود، والنهود، والخصر، والردف، والأعطاف، وسعدى ولبنى وليلى فلا يجوز إطلاق ذلك على الله جل وعلا، ولا يجوز أن يشار به إلى عشق المخلوقين فيصفوهم بذلك بسبب العشق المحرم بسبب الأهوية الغالبة نعوذ بالله. وأما ما يطلق من ذلك في النبي ﷺ ونعته وشكله وحسن شمائله وأخلاقه فذلك مطلوب مرغب فبه لتشتاق أمته إليه وتصيح بالصلاة عليه. قال بعض العلماء: وأما ما كان من ذكر الخدود والقدود فلا يجوز إطلاقه والله أعلم.
فصل
1 / 33