[ التيمم ]
فمن لم يجد ممن سمينا ماء يطهره، تيمم صعيدا طيبا لا يستقذره، فيمسح بوجهه، ويديه منه، وكان مجزيا من ذلك أن يضرب بباطن يديه على الصعيد حتى يلصقا بترابه لصقا، ثم ينفضهما مصفوفتين نفضا رقيقا، ثم يمسح بهما وجهه ولحيته وعنفقته وشاربه معا، ويتبع بالمسح من وجهه أماكن الوضوء أولا، ثم يضرب بيديه على الصعيد ضربة أخرى، ثم يعمل في بعضهما مثل ما كان عمل بهما، ثم يمسح بيسرى يديه على يمناهما، ويمسح بيمنى يديه على يسراهما، ويمسح كل واحدة من يديه إلى المرافق، فهو أحب إلي لقول الله في غسلهما: { إلى المرافق }، وإنما جعل التراب لهما، بدلا من غسلهما، فيستحب أن ينتهي إلى منتهى الماء منهما، ولا يقصر بالتراب كما لا يقصر بالماء عنهما ، وإن اقتصر مقتصر على المسح على اليدين إلى الرسغين، أجزأه إن شاء الله لأن الله جل ثناؤه لم يحدد التيمم للذراعين، كما حدد - تنزيلا - الغسل إلى المرفقين، إلا أن مسحهما كما قلنا عندنا أحوط، وأبعد أن يكون فيه لمحتفظ متنعم أو مسخط.
وأما الوضوء وما قيل به من تحديده، فلست أقول به ولا بشيء من تعديده، لأن الله تبارك وتعالى لم يحد منه عند أمره ما حد وا، ولم يجعل له في منزل كتابه من العدد ما عدوا، بل قرب فيه سبحانه السبيل البين اللائح، وأقام به لمن كلفه إياه الدليل المنير الواضح، فلم يلبسه بضروب التفنين، بل أناره سبحانه بمعلوم من التبيين، فقال سبحانه:{ إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم، وأرجلكم إلى الكعبين } [المائدة: 6]. فقال سبحانه اغسلوا، ولم يقل أكثروا وأقلوا، وكان فيما قال من ذلك أكفى الكفاية لنا، ولأولئك ولمن مضى قبلنا، الغسل مرة أو مرتين، اكتفاء منه سبحانه لنا ولهم بالتبيين، فمتى ما اغتسلنا، أكثرنا أو أقللنا، فقد - بمن الله - ورحمته أدينا، ما أوجب من الغسل علينا.
صفحه ۴۶۲