صلاح الدين الأيوبي وعصره
صلاح الدين الأيوبي وعصره
ژانرها
كان النرمانديون يغيرون على الدولة الرومانية في خفاف السفن من مصبات الأنهار؛ لأنهم كانوا قوما من بلاد الشمال وشواطئ البحار، لهم جراءة على المحيط ودراية بتسيير السفن، وكانت إغاراتهم للسلب والتدمير، ولا تستطيع دولة الرومان الغربية أن تدفعهم عن نفسها؛ إذ لم يكن فيها مدن حصينة ولا كتائب سريعة، وكان المجريون في إغاراتهم فرسانا يجتاحون البلاد ثم يعودون بعد أن يسلبوا ما شاءوا ولا تردهم حصون ولا أسوار، ولم يكن دونهم عند الفرنج كتائب ذات دراية بحركات الفرسان؛ ولهذا استقر رأي أمراء الدولة الرومانية الغربية على أن يعنوا بأمرين لا غنى للدولة عنهما إذا شاءت حماية نفسها من أعدائها؛ وذانك هما: بناء الحصون الكثيرة والأسوار على المدائن من جهة، ومن جهة أخرى تكوين كتائب للفرسان معودة الكر والفر على أسلوب سريع؛ كي يستطيعوا دفع عادية المغيرين السريعين، وبذلك وجد أمراء الدولة أنفسهم - بعد حين - ولهم حصون وأسوار تحميها كتائب من الفرسان مدربة خاضعة، فكان لكل منهم بذلك دائرة خاصة به عليه حمايتها وله بطبيعة الأمر إدارتها، فنما نظام جديد عرف فيما بعد في القرن العاشر وما يليه بنظام الإقطاع.
أحدث نظام الإقطاع نقضا في أساس الحكومة القديمة التي كانت في أوروبا منذ أيام الدولة الرومانية الأولى؛ وذلك أن الحكومة المركزية أصبحت صورة لا حقيقة، وأصبح الأمراء هم أصحاب الحكم في جميع الأنحاء، وصارت العلاقة الجديدة بين طبقات المجتمع قائمة على أساس السلطة والسيادة؛ يعني أنه أصبح بين الأمراء من جانب وبين الحكومة المركزية من جانب آخر عقد يتعهد فيه كلا الجانبين تعهدات يقوم بأدائها نظير حقوق يكتسبها، وكانت أكبر واجبات الأمراء الاشتراك في حروب الدولة بأنفسهم وفرسانهم، وإمداد الحكومة المركزية بشيء من الأموال، وكانت أكبر حقوقهم أن يكونوا حكاما يخضع لهم من دونهم من الأمراء ويدفعون لهم الضرائب، ويشتركون فيما يكلفهم به صاحب ولائهم من الأعمال، وكان كبار الأمراء متعاقدين مع صغارهم على شروط شبيهة بتلك. وهكذا كان هؤلاء مع من يليهم، فكان نظام الإقطاع أشبه شيء بالهرم: رأسه الحكومة المركزية وقاعدته صغار الأمراء والفرسان ثم الشعب، وكان الشعب العام مرتبطا بواجبات نحو الأمير الذي يحكم بلاده فيدفع الأموال إليه ويخضع لقضائه، ويهب له مقدارا معينا من العمل في أرضه في نظير حماية الأمير له من اعتداء الغير وصد غارات المتوحشين عنه.
على هذا تقسمت أوروبا إلى أقسام صغيرة من الإقطاعات، وكانت الحكومات المركزية - في الواقع - لا علاقة لها بالأفراد، بل كانت علاقتها بكبار الأمراء تارة على سلم وتارة على حرب.
مضى القرن العاشر وفي أوروبا دول ثلاث كبرى، كل منها مقسم بحسب ذلك النظام الإقطاعي، وتلك هي ألمانيا ويحكمها حكام من أمرائها بعد انقراض أسرة الفرنجة من نسل شارلمان، وكانت دولتهم مكونة من ألمانيا وإيطاليا واسمها الدولة الرومانية المقدسة، ثم فرنسا ثم إنجلترة.
ولم تكن تلك الدول دولا بالمعنى الحقيقي؛ إذ كان الحكام السياسيون لا يتعدى حكمهم إقطاعاتهم، وكثيرا ما كان الأمير إذا لم يجد ميدانا للحرب يصد فيه غارات الأجانب أو المتوحشين يغير على من يليه من جيرانه؛ ولهذا كانت أوروبا في ذلك الوقت وما بعده مجالا لحروب لا عد لها ولا حصر بين الأمراء وبعض، ولم تخل الحكومات المركزية من مناوأة أمرائها، بل كانت تدخل في ميادين حروبهم مؤلبة جماعة على أخرى تنتصر تارة وتنهزم أخرى.
وهكذا عاد نظام الإقطاع على أوروبا بمنافع وأضرار؛ فقد رد عنها غارات المجر والنرمان وأضرابهم، ولكنه نزع أمنها واطمئنانها في الداخل وجعلها بؤرة حروب دائمة.
في ذلك الوقت أتت دعوة الدولة الشرقية، فما كان أسرع أمراء أوروبا وفرسانها إلى إجابة ملتمسين هناك ميدانا جديدا للحروب.
روح العصر في أوروبا
صورة محارب في القرون الوسطى (عن كتاب ستانلي لين بول).
كان عهد الإقطاع بطبيعة ظروفه عهد الفروسية وما يتبع هذه الصفة من مميزات؛ فكان الأمير - بحكم تعاقده - حاميا لمن في كنفه يرى نفسه سيدهم المسئول عن سلامتهم ولو كلفه ذلك بذل نفسه، وقد جرت العادة مدة طوال السنين على تقاليد صارت على مضي الزمن مبادئ يجب على الشريف أن يسير على مقتضاها، فكان من مجموع ذلك قانون به تفاصيل ما يحل للشريف أن يعمل وما يحرم عليه، وكانت تلك المبادئ ترمي إلى حماية الضعفاء ونصرة الدين وإجلال الجمال والوداعة وسوى ذلك من صفات الحسن الذي يتجلى في المرأة، فكانت الشجاعة أولى صفات الشريف لا تقوم عنها صفة أخرى، وكان استخدام السيف من أول ما يجب عليه إتقانه إلى جانب المهارة في ركوب الخيل وأمل الرماية بالقوس والسهام فكانت مما يترك للمحاربين في المحل الأدنى.
صفحه نامشخص