سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
ژانرها
يقول المثل الفارسي القديم: «لون السماء لا يتغير أينما ذهبت.» لكن السماء في كندا كانت تختلف عن سماء إيران؛ إذ كان لونها أكثر زرقة، وبدت بلا نهاية وكأنها تتحدى الأفق.
وصلنا إلى مطار بيرسون الدولي في تورونتو في الثامن والعشرين من أغسطس 1991، وكان يوما صحوا مشمسا. كان شقيقي بانتظارنا. اتفقنا على أن نقيم أنا وزوجي وطفلنا البالغ من العمر عامين ونصفا لديه حتى نتمكن من العثور على شقة، ومع أنني لم أكن رأيت شقيقي منذ اثني عشر عاما - حيث كنت في الرابعة عشرة عندما سافر إلى كندا - فقد تعرفت عليه على الفور؛ لقد وخط الشيب شعره الذي خف قليلا، وكان طوله يبلغ نحو مترين، وهكذا فقد برز رأسه وسط الحشود المتحمسة القابعة في صالة الانتظار.
وبينما نبتعد عن بيرسون، نظرت من النافذة، فأدهشني اتساع المكان. كان الماضي قد ولى، ومن مصلحة الجميع أن أتناساه. علي أن أبدأ حياة جديدة في تلك البلاد الغريبة التي آوتنا عندما لم نجد مكانا نأوي إليه، علي أن أوفر طاقتي من أجل البقاء على قيد الحياة، وعلي أن أفعل ذلك من أجل زوجي وولدي.
وبالفعل بدأنا حياة جديدة، فقد تمكن زوجي من العثور على وظيفة مناسبة، وأنجبنا طفلا آخر، وتعلمت قيادة السيارات. وفي شهر يوليو من عام 2000، وبعد تسعة أعوام من الهجرة إلى كندا، تمكنا أخيرا من شراء منزل مكون من أربع حجرات في ضواحي «تورونتو»، وأصبحنا مواطنين كنديين من الطبقة المتوسطة، نهتم بالعناية بحديقة المنزل، ونصطحب أطفالنا إلى دروس السباحة وكرة القدم والبيانو، وندعو أصدقاءنا إلى حفلات الشواء.
عندها فقدت القدرة على النوم ...
بدأ الأمر بذكريات متلاحقة تتدافع إلى ذهني كلما هممت بأن أخلد إلى النوم، وحاولت قدر الإمكان أن أجتنبها، ولكنها كانت تهاجمني ليل نهار. أخذ شبح الماضي يطاردني حتى أوشك على اللحاق بي، ولم أتمكن من إبعاده، بل علي أن أواجهه وإلا أصبت بالجنون. ما دمت لا أستطيع النسيان، فربما يكون الحل في التذكر. وهكذا بدأت الكتابة عن الأيام التي قضيتها في «إيفين» - وهو المعتقل السياسي الشهير سيئ السمعة بطهران - وعن العذاب والألم والموت وكل صور المعاناة التي لم أتمكن من الحديث عنها قط، وتحولت ذكرياتي إلى كلمات نابضة بالحياة، انطلقت من عقالها الذي فرضته عليها سنوات طويلة. كنت أظن أنني فور الانتهاء من الكتابة، سأصبح في حال أفضل، لكنني كنت مخطئة، كنت بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك. لا يمكنني الاحتفاظ بمخطوطة مذكراتي في درج بغرفة نومي إلى الأبد. كنت شاهدة، وعلي أن أدلي بشهادتي.
كان أول قرائي بطبيعة الحال زوجي، لم يكن هو أيضا على دراية بتفاصيل ما حدث لي بالسجن، وعندما أعطيته مخطوطة المذكرات تركها بجوار الفراش ولم يمد يده إليها ثلاثة أيام. حز ذلك الأمر في نفسي. متى سيقرؤها؟ هل سيتفهم الأمر؟ هل سيسامحني على إخفاء تلك الأسرار؟
وعندما قرأها أخيرا توجه إلي متسائلا: «لماذا لم تخبريني من قبل؟»
كانت سبعة عشر عاما قد مرت على زواجنا. - «حاولت، لكنني لم أستطع ... هل تسامحني؟» - «لا يوجد ما أسامحك عليه. هل تسامحينني أنت؟» - «علام؟» - «على عدم السؤال.»
تبددت شكوكي حول ضرورة سرد ما حدث لي عندما قابلت زوجين إيرانيين في صيف 2005 أثناء حفل عشاء. قضينا وقتا ممتعا، وأخذنا نثرثر بشأن الأمور اليومية؛ مثل وظائفنا وأحوال سوق العقارات وتعليم أولادنا، وعندما اشتدت برودة الجو جلسنا في الداخل كي نتناول الحلوى. سألتني المضيفة عن أخبار الكتاب الذي أعكف على كتابته حاليا وهي تقدم لنا القهوة، وأرادت السيدة الإيرانية التي تدعى باريسا أن تعرف موضوع الكتاب، فأجبتها: «عندما كنت في السادسة عشرة من العمر، قبض علي وقضيت عامين في سجن «إيفين».»
صفحه نامشخص