سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
سجينة طهران: قصة نجاة امرأة داخل أحد السجون الإيرانية
ژانرها
قالت لي ونحن نتوجه نحو منزلي: «سمعت أنك تتمتعين بروح الزعامة، وقليل من الناس من يمتلك تلك الموهبة، فالآخرون يستمعون إليك، وقد قرأت أيضا مقالاتك في صحيفة المدرسة ووجدتها جيدة. بوسعك أن تصبحي مؤثرة. تلك الحكومة الإسلامية سوف تدمر البلاد، ويمكنك القيام بشيء حيال ذلك.» - «شهرزاد، إنني أحترم معتقداتك ، لكن لا يربطنا شيء مشترك.» - «أرى عكس ذلك؛ فعدونا واحد، وهو ما يجعلنا أصدقاء.»
أخبرتها أني لا أستطيع النظر إلى الأمر من تلك الزاوية، فكل ما هنالك أني معتادة على أن أتكلم بلا خوف، ولو كان لدينا حكومة شيوعية بدلا من الحكومة الإسلامية لربما انتقدتها أيضا.
سألتني هل أرغب في إحداث التغيير، فأجبتها بأن التغيير الذي أنشده يختلف عما تريده هي. توقفت شهرزاد فجأة وحدقت في شاب كان قد مر بجوارنا لتوه، ثم ألقت علي تحية الوداع سريعا واختفت، ولم أرها مرة أخرى قط. •••
أردت شراء ملابس جديدة بدلا من سراويل الجينز الباهتة والسترات البالية وأحذية الجري، ولكن صادفتني مشكلة؛ فقد ارتفعت معدلات التضخم كثيرا بعد الثورة، وكنت أعلم أن والدي لا يملكان أموالا لذلك، ولم يكن عمل الفتيات المراهقات مألوفا، فكان علي أن أتوصل إلى طريقة مبتكرة كي أدبر المال اللازم، وخاصة أن الأحذية الأنيقة باهظة الثمن.
كان والداي وخالتي زينيا وعمي إسماعيل وزوجته يتقابلون مرة كل أسبوعين كي يلعبوا الورق، وكانوا يلعبون مقابل النقود ويأخذون الأمر بجدية شديدة، فراقبتهم مرارا حتى أتقنت قواعد اللعبة. ذات ليلة مرضت زوجة عمي ولم تتمكن من اللعب، فعرضت عليهم أن أحل محلها في اللعب، وهو ما اعتبرته خالتي زينيا فكرة رائعة وجعلت الجميع يعطونني بعض النقود كي أبدأ اللعب. مع انتهاء الليلة كانت المائة تومان التي بدأت بها قد صارت ألفين، وفي اليوم التالي ذهبت للتسوق، فاشتريت سراويل من القماش وبعض القمصان وثلاثة أحذية عالية الكعاب، وفي اليوم التالي ذهبت إلى الكنيسة وأنا أرتدي الملابس التي اشتريتها بالنقود التي ربحتها من القمار؛ سروالا من القماش الأسود وقميصا حريريا أبيض وحذاء أسود مدبب الطرف.
عندما كانت جدتي على قيد الحياة وكان والداي يلعبان الورق مع الأصدقاء والأقارب في منزلنا، كانت دائما تهز رأسها وتخبرني أن القمار خطأ، وأنه قد يؤثر بالسلب على الروابط العائلية والصداقات، ولهذا السبب فهو مكروه عند الله ويندرج تحت الآثام. كنت أعرف كل ذلك وشعرت بالذنب، لكني كنت واثقة أن الله مطلع على الموقف، ولمزيد من الحيطة قررت أن أعترف بلعب القمار عندما أذهب للاعتراف في الكنيسة المرة التالية.
أحببت الطريقة التي يقرع بها حذائي الجديد الأنيق الأرض وأنا أسير عبر ممر الكنيسة كي أصل إلى مقصورات الجوقة في المقدمة، وسررت عندما أخبرني أعضاء الجوقة همسا أني أبدو رائعة. وعندما رآني أندريه أطال النظر إلي، ولاحظت أثناء القداس أنه يختلس النظر إلي بطرف عينه.
كان أندريه مصرا على تعليمي العزف على الأرغن، لكنه كلما حاول أدركت أني لا أملك الموهبة الموسيقية. كان يقضي معظم وقت فراغه بالكنيسة يجري صيانة لمختلف الأشياء بدءا من الأرغن إلى الأجهزة وقطع الأثاث، وغالبا كان يطلب مني البقاء معه، وكنت أستمتع بذلك. حكى لي عن حياته وعائلته وأصدقائه؛ فقبل الحرب العالمية الثانية جاء والده الذي كان يعمل نجارا ويدعى ميهاي إلى إيران عندما كان شابا صغيرا كي يشارك في بناء قصر جديد للشاه، وترك خطيبته جوليانا في «بودابست» على أمل أن يعود بعد الانتهاء من مهمته، ولكن الحرب حالت دون عودته، فعندما اشتد أوار الحرب في أوروبا ووقفت المجر إلى جانب ألمانيا، دخل الحلفاء إيران كي يرسلوا إمدادات إلى روسيا عن طريق الجنوب، وعلى غرار ما حدث لخطيب جدتي المدعو بيتر، أرسل ميهاي إلى معسكر اعتقال في الهند، ولكن على النقيض من بيتر فقد نجا ميهاي، وبعد انتهاء الحرب عاد إلى إيران بدلا من المجر التي أصبحت دولة شيوعية. لم يكن مسموحا للمجريين في ذلك الوقت بمغادرة البلاد، وهكذا لم تتمكن جوليانا من اللحاق به واضطرت إلى البقاء في المجر حتى اندلعت ثورة 1956 المضادة للشيوعية التي تسببت في فتح الحدود المجرية وأتاحت لها دخول النمسا لاجئة، ثم تمكنت من اللحاق بحبيبها القديم في إيران بعد ثمانية عشر عاما من الفراق، فتزوجا على الفور وأنجبا طفلين: أندريه وشقيقته التي تصغره بخمسة عشر شهرا. توفيت جوليانا عندما كان أندريه في الرابعة وشقيقته لم تتجاوز عامين ونصف، وبعد وفاتها جاءت إحدى شقيقات ميهاي - وهي امرأة عزباء في الستين من عمرها - إلى إيران كي تساعد شقيقها في تربية أطفاله، وبمرور الوقت أثبتت جدارتها في أن تحل محل الأم الراحلة.
ذات يوم ونحن جالسان على منصة الأرغن في الكنيسة الخالية أخبرت أندريه بالمشاكل التي أواجهها في المدرسة، مثل الإضراب والقائمة التي رأتها باهمان خانم في حجرة مكتب المديرة والصحيفة المدرسية وكراهية محمودي خانم لي، فاتسعت عيناه الزرقاوان الواسعتان رعبا.
هز رأسه كأنما لا يصدق ما قلت: «أنت فعلت كل ذلك؟» - «نعم، مشكلتي أني لا أستطيع التزام الصمت.» - «يدهشني أنهم لم يلقوا القبض عليك بعد.» - «وأنا أيضا.»
صفحه نامشخص