كان كوخ الكاهن عاديا لكنه مختلف عن بقية أكواخ الرجال، عتبة طويلة في الأمام وأخرى أقل طولا على اليمين تؤدي إلى الداخل وتحوي إفريزا، كثيرا ما يستند إليه «إيزولو» لرؤية ذلك الجزء من السماء الذي يظهر منه القمر. ساد الظلام وتكدست السماء بالسحب، ولم يستطع «إيزولو» حينئذ أن يحدق بوضوح بحثا عن القمر.
شعر «إيزولو» بضعف في بصره، ولم يكن راغبا في تلك الفكرة التي داهمته بأنه سيضطر يوما ما إلى الاستعانة بعيني شخص آخر، كما فعل جده عند إصابته بضعف في عينيه أدى إلى فقدان بصره، لكن جده عاش طويلا، وكانت إصابته بالعمى كأنها إحدى الحلي والزخارف التي يتحلى بها، وإذا ما عاش «إيزولو» سنوات طويلة مثل جده، فإنه سيقبل راضيا هذه الخسارة. لكنه حتى هذه اللحظة كان قويا كأي من الشباب وربما أقوى. إن الشباب لا يعرفون كيفية استخدام قوته، وكان ذلك واضحا في تلك اللعبة التي لم يسأم «إيزولو» من ممارستها معهم.
كانوا يهزون أياديهم، ويشد هو ذراعه مستجمعا كل قوته في قبضته، فينتابهم الفزع، وسرعان ما يتراجعون.
بدا غاضبا وهو يبحث عن عصاه، هكذا كان يبدو عند ظهور كل قمر جديد، ظل يقرع الجرس الحديدي بعصاه عدة مرات، وفي الحال ارتفعت أصوات الأطفال معلنة الأخبار في كل مكان:
Onwa auto! Onwa auto! Onwa auto!
انتابه الخوف عند رؤية القمر الجديد، «إيزولو» الرجل العجوز كان خائفا مثل ولد صغير؛ فقد كان القمر الذي أبصره اليوم صغيرا ونحيفا كاليتيم الذي أرضعته امرأة بقسوة وكراهية. اقترب بنظراته أكثر وظل يحدق لعله كان مخدوعا بتلك السحب، لكنه لم يستطع التخلص من حالة الخوف التي لازمته.
عندما أصبح كبير كهنة «أولو» كان الخوف يتلاشى بجانب تلك المتعة المنبعثة من موقعه الكبير، لكن الخوف لم ينته تماما وإنما كان راقدا بين ثنايا المتعة، عاود دقاته بالعصا فوق الجرس الحديدي، ثم أسند العصا على الحائط.
هرع الأطفال الصغار من كل صوب وناحية لاستقبال القمر، وارتفعت صيحاتهم إلى عنان السماء فرحين بالقمر، وكان صوت «أوبياجيلي» رقيقا مثل نغمات الفلوت، وواضحا كدقات العصا الصغيرة فوق الطبول، ووسط ضجيج الأطفال وأحاديث النساء اللاتي كن يثرثرن في حرية استطاع «إيزولو» أن يميز صوت «وافو» أصغر أبنائه.
قالت الزوجة الأولى «ماتيفي»: القمر، إن التقاء وجهك بوجهي يجلب الحظ السعيد، ربما.
سألت «أوجوي» الزوجة الصغرى: أين هو؟ إنني لا أراه، هل فقدت بصري؟ - ألا ترين أبعد من شجرة «الأكوا»؟ ليس هناك، اتبعي إصبعي. - أوه، ها أنا ذا أراه، القمر، إن التقاء وجهك بوجهي يجلب الحظ السعيد، ربما، ولكن كيف يبدو هكذا؟ أنا لا أحب هذا الوضع.
صفحه نامشخص