121

نهض «إيزولو» ومضى، في اتجاه الباب الضيق، ثم بدا وكأنه عدل عن فكرته أو كمن تذكر شيئا. عاد إلى حقيبته المصنوعة من جلد الماعز، وتناول منها زجاجة النشوق، ثم اتجه مرة ثانية إلى الباب وهو يقول: أنا ذاهب للتبول.

طوال فترة بقائه في «أوكبيري» قرر عدم الاهتمام بالقمر الجديد، لكن العين شغوفة وجشعة جدا، وقد تسرق النظر إلى شيء ما لا يرغب صاحبه في رؤيته، كانت عيناه - وهو يتبول خارج غرفة الحراسة - تبحث عن القمر الجديد، وكان وجه السماء غريبا بحيث لا يستطيع أي شخص أن يشير إلى المكان الذي سيبزغ منه القمر.

خاف «إيزولو» لحظة قصيرة، ثم فكر قليلا، ولم يجد سببا لذلك الخوف، وقال لنفسه: لماذا يجب أن تكون سماء «أوكبيري» مألوفة لدي؟ إن كل أرض لها سماؤها الخاصة بها.

رأى «إيزولو» جده في الحلم مع كبار «أوموارو» الذين قابلهم منذ أيام قليلة ماضية؛ حيث نهض الجد للحديث فرفضوا الاستماع إليه، وصاحوا معا قائلين: لن يتحدث، ولن نستمع إليه، ثم رفع كبير الكهنة صوته، وتوسل إليهم أن يستمعوا، لكنهم رفضوا مرة ثانية قائلين: يجب نزح الماء عندما يصل إلى المفصل.

قال «واكا»: لماذا ينبغي أن نثق فيه ليخبرنا بموسم العام، هل لا يستطيع أي شخص هنا أن يرى القمر في أرضه ومكانه الخاص؟ وما هي قوة «أولو» اليوم؟ إنه الذي أنقذ آباءنا من محاربي «آبام»، لكنه لا يستطيع إنقاذنا من الرجل الأبيض، فدعونا إذن نلقي به بعيدا كما فعل جيراننا في «أنينتا»، وحرقوا «أوجبا» عندما تخلى عن دوره، وقتل الناس في «أنينتا» بدلا من أعدائهم.

ثم أوقف الناس كبير الكهنة، وراحوا يدفعونه من مجموعة إلى أخرى، وبصق البعض في وجهه قائلين: إنه كاهن الإله الميت.

استيقظ «إيزولو» بعد ذلك الحلم، وبدا كمن سقط من ارتفاع شاهق، ثم سارع بسؤال «أوبيكا» في الظلام: ما هذا؟ - لا شيء .. هل قلت شيئا؟ - كنت تتشاجر مع شخص ما، وتريد أن ترى أيكما سيهزم الآخر. - أعتقد بأنه ربما كان عنكبوتا في العارضة الخشبية.

كان جالسا فوق حصيرته، ولم يكن ما رآه حلما وإنما رؤية، كان جده المعروف بعيون الطفل يلوح له مرة ثانية في صورة ضعيفة ومبهمة.

عاد «أوبيكا» للنوم، فأصبح «إيزولو» وحيدا، ووضع قليلا من النشوق في أنفه ليساعد نفسه على التفكير، وراح يفكر مرة أخرى في البحث العقيم عن مطلع القمر الجديد، الذي يبدو غريبا حتى في قرية أمه التي اعتاد أن يذهب إليها بانتظام، حين كان صغيرا وشابا، والتي تلي «أوموارو» مباشرة، ويعرفها أكثر من أي قرية أخرى، ها هو يشعر بفقدان مكانته ككبير للكهنة، وها هو يشعر - بعيدا عن «أولو» - كأنه طفل هجره والداه العبوسان إلى رحلة، لكنه شعر بسعادة غامرة حين تذكر ذلك التفكير بالانتقام الذي انتابه فجأة عندما كان يستمع إلى «واكا» في السوق.

تماسك «إيزولو» أخيرا من ذلك الكابوس وتلك الأفكار اللاهية، ولاحت في رأسه فكرة واحدة هي صراعه الضعيف مع الرجل الأبيض. لقد حذر «أوموارو» كثيرا بألا تقودهم الغيرة إلى الدغل لكنهم لم ينصتوا، وراحوا يثرثرون بأشياء خطيرة بعيدة عن الموضوع، تاقت عضلات «إيزولو» للحرب، فليعتقله الرجل الأبيض إذن ليس فقط ليوم واحد، وإنما لعام كامل، لن يتوجه فيه إلى «أوموارو» بالأسئلة.

صفحه نامشخص