فصحة كتاب البخاري ملا لازمة له فقط، ومقصور عليه العمل بها، وكذلك مسلم، وسائر الأئمة، فإذا كانوا عدولا أعني أئمة الحديث، فاللازم هو قبول رواياتهم، لا قبول آرائهم وأحكامهم بصحة الحديث أو حسنه أو ضعفه ؛ لأن ذلك ليس من الرواية في شيء بل هو نظر منه واجتهاد لاينبغي التقليد فيه والتعويل عليه، وتلك هي الإمعة المذمومة عقلا وشرعا، قال الشاعر:
ولست بإمعة في الرجال .... أسائل هذا وذا ما الخبر
فوظيفة أئمة الحديث أن يسردوا لنا الأخبار بأسانيدها، وعلينا نحن أن ننظر في أسانيدها فما صح للناظر عمل به.
ولا يجوز الإكتفاء بنظر صاحب الصحيح وتقليده في نظره وأحكامه على الأحاديث بالتصحيح والتضعيف، وإلا فلماذا التزم أئمة الحديث بذكر مسند كل حديث، كان يكفي ما دمنا عالة عليهم في آرائهم أن يذكروا لنا الأحاديث مرسلة بدون الأسانيد، فما في ذكرها إذن فائدة ؛ لأنا لسنا متعبدين بتلاوة الأسانيد.
فابن الأمير قد ثبت عنده أن العدالة شرط لقبول الرواية، وأن أئمة الحديث قد بنوا صحاحهم على ذلك، م إنه رأى البخاري ومسلما وغيرهم من الأمة يروون في الصحيحين وغيرهما عن الخوارج وأهل البدع، وأهل الضلال، فقرر أن الأئمة لايشترطون العدالة في روايتهم فأشكل عليه المخرج هل يترك تلك الروايات ولو كانت في الصحيحين، أم يقلد صاحبي الصحيحين فرجح تقليد أئمة الحديث ولو رووا عن غير عدل، وكان المخرج هو ما ذكرنا، "لو كان يطاع لقصير أمر"، ولكنهم وجدوا آباءهم على أمة....
صفحه ۴