وعلى هذا فإنه يجب النظر، ولا يجوز التقليد لأئمة الحديث فيما حكموا بصحته ولا الإعتماد على ذلك ما داموا لايعولون على العدالة ، والذي يدل على أنه لايجوز قبول خبر غير العدل قول الله تعالى: ?إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين?، فأمر الله سبحانه بالتبين، وسمى خبر الفاسق جهالة تعقبها الندامة، وقال سبحانه: ?ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار?، والإعتماد على الظالمين في أمر الدين من أعظم الركون.
والمشهور عن النقلة للأخبار، ورواة السنن والآثار أنهم يشترطون للعمل عدالة الراوي، ولذلك تراهم لايقبلون من المراسيل إلا ما عرفوا أن مرسله لايرسل إلا عن عدل.
وفي كتب أئمة الحديث الكثير من نحو قولهم فيه: فلان شيعي رافضي قدري مجهول مدلس...إلى غير ذلك مما يدل على أن العدالة عندهم شرط لابد من قبوله، فالأظهر أن العدالة شرط عند جماهير علماء الأمة من أهل السنة وغيرهم.
وقد استشكل ابن الأمير اشتراطهم العدالة في الراوي في كتب أصول الفقه، وفي كتب مصطلح الحديث، بينما البخاري يروي عن مثل أولئك الذين ذكرناهم، فجزم بما ذكرنا أولا من أنهم إنما يعتمدون صدق الراوي وإن أتى بأي بدعة.
ورأيه هذا هو خلاف المعلوم من حال أئمة الحديث، ولكنه لما أعياه الأمر وضاق عليه المخرج لجأ إلى ذلك من أجل المحافظة على السنة من الضياع ؛ لأن السنة عنده هي ما عند هؤلاء الأئمة لاغير، والحق أن العدالة شرط لجواز العمل بالحديث عند الأئمة.
وما وقع في الصحيحين أو في غيرهما مما حكموا بصحته مع اشتمال سنده على مختل العدالة فهو اجتهاد منهم لايجوز تقليدهم فيه، فليسوا بمعصومين، وليست أقوالهم سنة يجب اتباعها.
صفحه ۲