والحكمة من سرية الدعوة في أول أمرها ظاهرة، إِذ أن مجابهة المجتمع بما يخالف ما هم عليه يحتاج إِلى حكمة وإِعداد وتكوين للعناصر المستجيبة حتى يشتد عودها ويكثر عددها وتقوى نفوسهم على تحمل البلاء، وفي هذا تعليم للدعاة إِلى الله وبيان مشروعية الأخذ بالحيطة والأسباب الظاهرة.
وقد اتخذ النبي ﷺ دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي التي تقع عند الصفا مكانا لاجتماعه بمن أسلم من أصحابه (١)، وكان اختياره دار الأرقم لمواصفات في موقعها القريب من السجد ولكنه لا يقع تحت نظر قريش وهم في أنديتهم حول الكعبة، وصاحبها كان شابا عزبا من بني مخزوم وقد أسلم ولا يعلم عن إِسلامه أحد من قومه، وكان والده كفيف البصر. وقد استمر اجتماع النبي ﷺ بأصحابه في هذه الدار سرا حتى بعد إِعلان الدعوة والجهر بها، وبعد الهجرة إِلى الحبشة، فقد أسلم عمر في السنة السادسة والنبي ﷺ في دار الأرقم.
الدعوة الجهرية:
قال الله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ (٢). قال ابن جرير: وأنذر عشيرتك من قومك الأقربين إِليك قرابة، وحذّرهم من عذابنا أن ينزل بهم بكفرهم (٣).
وأخرج الشيخان عن ابن عباس ﵄ قال: لما نزلت ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ نادى رسول الله في قريش بطنًا بطنا، فقال: أرأيتم لو قلت لكم إِن خيلًا بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا قط. قال: فإِني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبَّا لك، ألهذا جمعتنا؟!.