ومعناه: إذا كانت الحياة قائمة على الأرض بتمريغ الوجه على التراب، فاختر أن تقيم تحت التراب وأنف الحياة راغم. ولكن نامق كمال كان عندليب ربيع مضى ، ومضى هو معه وقد أطربتنا أقواله، ولكننا قصرنا في اتباع رأيه.
فإذا قيل لهؤلاء المتمسكين بالعادات السخيفة: ما يعجبكم من هذه الأباطيل؟ قالوا: هذه عاداتنا القديمة لا يجمل بنا النزوع عنها، والأمم الغربية وهي سابقتنا إلى الحضارة لا تزال محتفظة على قديمها، فكيف نغير نحن ما عاش عليه الأجداد وماتوا؟ وقد فاتهم أن الخطأ لا يقاس عليه. وأن من حقنا أن نقلد أهل الغرب في الحسن دون القبيح. ولقد كان العرب في الجاهلية يئدون بناتهم أنفة، ولكن هذه العادة أبطلها الإسلام. ولا يليق بنا أن نجعل العصور كما يوافق عاداتنا، فذلك ما لا نستطيعه، والأقرب أن نجعل العادات كما يوافق العصر.
وقد رأيت في جرائد الأستانة أشياء وددت لو تنزهت عنها. فهي لا تزال تغني السلطان الدستوري غناء السلطان المستبد. وتقول إن أوراق كذا واللائحة الفلانية عرضت على الأعتاب، وسلطاننا الدستوري لا يرضى بذلك. فإن عد هذا ثناء فليس هذا بثناء على شخص السلطان بل على أعتابه. ونحن ممن يحبون السلطان ولا شأن لنا مع أعتابه ولا نعرفها، إلا إذا قضى الله لنا أن نراه فنتخطاها كما يتخطاها الناس. وأوراق الدولة العثمانية لا تعرض على أعتاب السلطان، بل تسلم إلى يده الشريفة مع التعظيم.
الحمد لله كثيرا. لنا مجلس أمة ولنا دستور نأوي إلى عدله، ولنا جرائد تكتب ببعض الحرية، ولكن ينقصنا كثير. ينقصنا علم لا تغلب عليه صور الأشياء دون حقائقها، وأناس يقولون الحق ولا يخافون عليه عقابا، وينقصنا إنصاف يدعنا نرضى بالحق وإن صغر مصدره، ونأبى الباطل وإن عظم مورده، وينقصنا صبر من عنده ضمير حر، على أن يرى قادة الأفكار يتكلمون بكلام الصبيان، وينقصنا أقلام من الفولاذ وأنامل لا تكل ونفوس لا تمل؛ لنحارب الجهل حتى نجليه عن موطن العلم.
فلن يسر العثماني أن يقول فيه الغربيون ما يقولون في الأمم المتوحشة، وأن تجعله الولايات المتحدة بمنزلة الآسيويين من سكان الجبال وأهل الوبر ودون الزنوج. وقد كنت أريد أن أرسل للقلم عنانه وأزيد أشياء، ولكن سبقني إليها صديقي «نقاد»، ومن جعله الله بين أهل الفضل الذين تأتيهم شياطينهم بمخبآت الضمائر، يبقى له من شوارد المعاني ما لم يرضه السابقون.
جراغان في أمسها وفي يومها
أسجن مراد لو تكلم منزل
لأخبرتنا عما جرى لمراد
ثلاثون عاما قد توالته عانيا
بربعك في بث وطول سهاد
صفحه نامشخص