ثم اصطدم في سنته الثانية بشعور الجمهور في قضية غير سياسية، مما اضطر إلى أن يوقف صحيفته أسابيع استأنف بعدها نشرها باسم جديد هو «المفيد» في 11 نيسان (أبريل) سنة 1922، وقد اختاره لها؛ لأنه اسم أول جريدة عربية دافعت في بيروت عن حقوق الشعب العربي في العهد العثماني عندما أصدرها فؤاد حنتس والشهيد عبد الغني العريسي، وكان للكاتب العراقي هذا في «المفيد» البيروتي مقالات وجولات، وتاريخ هذا الصحفي مليء بالتساهل والانتقال من حال إلى حال، فسرعان ما غير لهجة جريدته «المفيد» وصار ينتقد سياسة الانتداب البريطاني، وظاهر الحركة الوطنية، وتحدث عن المعاهدات والعهود بأنها «قصاصات ورق»، وكتب افتتاحية عن «عصبة الأمم» تقدح شررا عنوانها: «سوق النخاسة في جنيف»، اهتزت لها الأندية السياسية، وأخذ يناقش بعض الكتاب والنواب الإنكليز في السياسة العراقية والقضية العربية، وأيدت جريدة «المفيد» حركة المقاومة لسياسة الانتداب، وكتبت مقالات عنيفة، ونشرت في 23 آب (أغسطس) سنة 1922 منشور الحزبين المتضامنين «الحزب الوطني» و«حزب النهضة» في وصف وضع البلاد المضطرب، فصدر قرار المندوب السامي البريطاني - وقد تسلم السلطة في ذلك الظرف لمرض الملك - بتعطيل الجريدة والقبض على صاحبها وإبعاده في ضمن قراره بإقفال الحزبين المذكورين واعتقال زعمائهما، فلم يكن من إبراهيم إلا أن اختفى عن الأنظار، ثم فر إلى إيران، وعاد إلى إصدار «المفيد» في 25 أيار «مايو» سنة 1924 بعد أن قاسى سنتي هجرة وتشريد وحرمان.
وفي أحد مواقف المعارضة للوزارة القائمة كتب صاحب جريدة «المفيد» مقالة بعنوان: «المستقبل المظلم»، يوم 14 كانون الثاني (يناير) سنة 1926 عير فيها الذين في دست الحكم بأنهم كانوا ضد دولة الخلافة في أيام الثورة العربية، وهم يسلكون اليوم هذا المسلك، «يريد عقد المعاهدة التركية لسنة 1926»، وختمها بهذه العبارات:
قد أضاعوا المنطق، ونخشى أن يكونوا أضاعوا معه كل شيء. حتى المقدسات الوطنية، بل حتى الارتباط بأمجاد التاريخ، ولكن ما قيمتهم في نظر أمة صممت على اتباع واحد من أمرين:
إما أن تموت في سبيل أمنيتها الوطنية، وإما أن تظفر بغاياتها القومية الكبرى، والمستقبل كشاف؛ لأن سواد الليل لا يدوم فلا بد من فجر ينبثق في هذه الديار الظامئة إلى حريتها واستقلالها.
فغضبت الحكومة على الصحافي لحملاته المتكررة، فألغت امتياز جريدته بحجة أن صاحبها وهو من هو في براعة الكتابة الصحافية لا يحمل شهادة مدرسية عالية، المفروضة قانونا في المدير المسئول للجريدة السياسية، وبهذه الخاتمة انتهت حياة جريدة «المفيد».
جريدة دجلة
وجريدة «دجلة» أصدرها المحامي داود السعدي - وهي جريدة عربية سياسية اجتماعية حرة - في 25 حزيران (يونيو) سنة 1921، تولى تحريرها بادئ ذي بدء حسن الغصيبة، ولكنه تركها بعد بضعة أعداد؛ فحل محله رشيد الهاشمي.
ومع أن الشبهات قد حامت حول سياسة هذه الجريدة تجاه قضية البلاد الكبرى، وهي نصب العرش العراقي وإجلاس الأمير فيصل عليه؛ فقد قالت في فاتحة عددها الأول:
كل غايتنا التي نرمي إليها استقلال البلاد استقلالا تاما، وتأسيس حكومة دستورية ذات ملك مقيد بقوانين توافق روح البلاد، وتلائم مصلحة الشعب، وتأليف مجلس تشريعي له سلطة واسعة يؤلف ممن يعتمد الشعب عليهم ويثق بصدق وطنيتهم.
ورغما عن هذا العهد الذي قطعته الصحيفة لقرائها؛ فقد كانت ديباجة دجلة تختلف عن زميلاتها في القضية الأساسية، بحيث اضطر صاحبها تجاه التيار القوي ضد الجريدة إلى أن ينشر مقالا افتتاحيا بتوقيعه في العدد التاسع عنوانه: «نحن والمغالون»، تبرأ فيه مما يلصقه به البعض من أن جريدة «دجلة» ترمي إلى فكرة جمهورية في نوع نظام الحكم للعراق، أو أنها تريد تتويج عراقي على المملكة العراقية حتى رموه بأنه يقاوم الأمير فيصل، فأوضح في مقاله هذا «بأنه يؤيد ترشيح أحد أنجال الملك حسين بن علي، ولكنه يقاوم فكرة التتويج قبل اجتماع المؤتمر العام» - يقصد المجلس التأسيسي - إلى أن قال:
صفحه نامشخص