أغار الإنكليز على البصرة فاحتلوها في كانون الأول (ديسمبر) سنة 1914، فالتفتوا إلى الصحافة يستعينون بها على توطيد سلطانهم وترسيخ سياستهم وللصحف مقامها في نظر القوم، وفي حياتهم العامة ومجالي إمبراطوريتهم، بحيث ذهبت كلمة لويد جورج داهيتهم، في أعقاب تلك الحرب: «إنما كسبنا الحرب بواسطة الصحافة.» قولا مأثورا يتيه به الصحافيون.
جريدة الأوقات البصرية
فكان أول ما فعلوه بعد استيلائهم على «مطبعة الولاية» الرسمية بالبصرة ابتياعهم المطابع الأهلية الثلاث التي كانت في المدينة، فطفقوا يطبعون بها نشرة يومية باللغتين العربية والإنكليزية تحمل برقيات رويتر، وجلها أخبار حربية تنقل إلى القراء ما يجري في ميادين القتال المختلفة.
ثم تطورت هذه النشرة فأصبحت جريدة يومية باسم «الأوقات البصرية»، وهو طراز من الأسلوب الإنكليزي التقليدي في تسمية الصحف
Basrah Times
درج عليها أكثر من أنشأ منهم صحفا بالإنكليزية في كل صقع من أصقاع الغرب والشرق، فهم يقرنون تعبير «تايمس» إلى اسم القطر أو البلد الذي تظهر فيه الجريدة.
برزت «الأوقات البصرية» مكتوبة باللغات الأربع العربية والتركية والفارسية والإنكليزية، وحرر فيها المستر جون فلبي - وهو بعد ذلك الحاج عبد الله فلبي المستشرق السياسي الإنكليزي.
ولا شك في أن هذه الصحيفة قد أنشئت لتخدم أغراض السلطة المحتلة، وتروج لسياسة الحلفاء وتذيع مبادئهم التي يعلنونها للناس، فضلا عن استغراق أكثر أعمدتها بأخبار الحرب ومراحلها.
وقد أصدر الجيش المحتل بجانب هذه الصحيفة اليومية مجلة أسبوعية مصورة بعنوان: «العراق في زمن الحرب»، حوت صورا للوقائع الحربية في العراق مع صور الشخصيات العراقية - من الفريق الموالي طبعا - ولا سيما شيوخ القبائل ومناظر ومشاهد لهذه البلاد.
فلما وصلت القوات البريطانية بغداد واحتلتها، وانتقلت بهذه المرحلة حكومة الاحتلال المركزية إلى بغداد سنة 1917، تولى سليمان الزهير أحد وجوه البصرة جريدة «الأوقات البصرية» بطريقة الالتزام من الجيش، وعني بأن يجعلها جريدة أهلية واستقدم لها محررا من مصر هو «عطا عوم»، صحافي مصري مخضرم من الزملاء الأوائل لتوفيق حبيب «الصحافي العجوز» في تحرير مجلة «فرعون»، وعاشت الجريدة بعهدة المالك الجديد أو الملتزم إلى سنة 1921 عند تأسيس دولة العراق الحديثة، فلم يبق معنى لوجودها فغابت عن الأنظار.
صفحه نامشخص