240

صفوة التفاسير

صفوة التفاسير

ناشر

دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع

ویراست

الأولى

سال انتشار

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

محل انتشار

القاهرة

ژانرها

يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ تعجيبٌ من أمر من يدّعي الإِيمان ثم لا يرضى بحكم الله أي ألا تعجب من صنيع هؤلاء المنافقين الذين يزعمون الإِيمان بما أنزل إِليك وهو القرآن وما أنزل من قبلك وهو التوراة والإِنجيل ﴿يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت﴾ أي يريدون أن يتحاكموا في خصومتهم إِلى الطاغوت قال ابن عباس هو «كعب بن الأشرف» أحد طغاة اليهود سمي به لإِفراطه في الطغيان وعداوته للرسول ﵇ ﴿وَقَدْ أمروا أَن يَكْفُرُواْ بِهِ﴾ أي والحال أنهم قد أمروا بالإِيمان بالله والكفر بما سواه كقوله ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بالطاغوت وَيْؤْمِن بالله فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى﴾ [البقرة: ٢٥٦] ﴿وَيُرِيدُ الشيطان أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلًا بَعِيدًا﴾ أي ويريد الشيطان بما زيّن لهم أن يحرفهم عن الحق والهدى ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول﴾ أي وإِذا قيل لأولئك المنافقين تعالوا فتحاكموا إِلى كتاب الله وإِلى رسول ليفصل بينكم فيما تنازعتم فيه ﴿رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا﴾ أي رأيتهم لنفاقهم يعرضون عنك إِعراضًا ﴿فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي كيف يكون حالهم إِذا عاقبهم الله بذنوبهم وبما جنته أيديهم من الكفر والمعاصي أيقدرون أن يدفعوا عنهم العذاب؟ ﴿ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بالله إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ أي ثم جاءك هؤلاء المنافقون للإِعتذار عما اقترفوه من الأوزار يقسمون بالله ما أردنا بالتحاكم إِلى غيرك إِلا الصلح والتأليف بين الخصمين وما أردنا رفض حكمك قال تعالى تكذيبًا لهم ﴿أولئك الذين يَعْلَمُ الله مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي هؤلاء المنافقون يكذبون والله يعلم ما في قلوبهم من النفاق والمكر والخديعة وهم يريدون أن يخدعوك بهذا الكلام المعسول ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ فأعرض عن معاقبتهم للمصلحة ولا تُظهر لهم علمك بما في بواطنهم ولا تهتك سترهم حتى يبقوا على وجلٍ وحذر ﴿وَعِظْهُمْ﴾ أي ازجرهم عن الكيد والنفاق بقوارع الآيات ﴿وَقُل لَّهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ أي انصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ مؤثر يصل إِلى سويداء قلوبهم يكون لهم رادعًا ولنفاقهم زاجرًا، ثم أخبر تعالى عن بيان وظيفة الرسل فقال ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ الله﴾ أي لم نرسل رسولًا من الرسل إِلا ليطاع بأمر الله تعالى فطاعته طاعةٌ لله ومعصيته معصيةٌ لله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظلموا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فاستغفروا الله﴾ أي لو أن هؤلاء المنافقين حين ظلموا أنفسهم بعدم قبول حكمك جاءوك تائبين من النفاق مستغفرين الله من ذنوبهم معترفين بخطئهم ﴿واستغفر لَهُمُ الرسول﴾ أي واستغفرت لهم يا محمد أي سألت الله أن يغفر لهم ذنوبهم ﴿لَوَجَدُواْ الله تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ أي لعلموا كثرة توبة الله على عباده وسعة رحمته لهم ثم بين تعالى طريق الإِيمان الصادق فقال ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ اللام لتأكيد القسم أي فوربك يا محمد لا يكونون مؤمنين حتى يجعلوك حكمًا بينهم ويرضوا بحكمك فيما تنازعوا فيه واختلفوا من الأمور ﴿ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ أي ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا من حكمك وينقادوا انقيادًا تامًا كاملًا لقضائك، من غير معارضة ولا مدافعة ولا منازعة، فحقيقة الإِيمان الخضوع والإِذعان ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ﴾ أي لو فرضنا على هؤلاء المنافقين ما فرضنا على ما قبلهم من المشقات وشدّدنا التكليف عليهم فأمرناهم بقتل النفس والخروج من الأوطان كما فرض ذلك على بني إِسرائيل ﴿مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ أي ما استجاب ولا انقاد إِلا قليل منهم لضعف

1 / 262