صفوة الاختيار في أصول الفقه
صفوة الاختيار في أصول الفقه
ژانرها
فأما إذا قال له: حدث عني بما في هذا الجزء ولم يقل سمعته فإنه لا يكون محدثا له به، وإنما أجاز له التحدث به عنه، فليس له أن يحدث به عنه، فلا يكون بالتحدث كاذبا، وليس يصير ذلك مباحا بإباحته له، وإذا سمع الشيخ نسخة من كتاب مشهور لم يجز له أن يشير إلى غير تلك النسخة من ذلك الكتاب، فيقول: قد سمعته؛ لأن النسخ من الكتاب الواحد قد تختلف، إلا أن يعلم أن النسختين تتفقان.
وأما الكتابة: فهي أن يكتب الشيخ إلى غيره أنه سمع الكتاب الفلاني أو النسخة الفلانية، فإن اضطر المكتوب إليه أنه خطه جاز أن يروي عنه، وإن لم يضطر إلى ذلك لكنه ظنه، جاز له أن يروي بحسب ظنه.
فأما الإجازة: فهي أن يقول الإنسان لغيره: قد أجزت لك أن تروي عني ما صح من أحاديثي، وأصحاب الحديث يجوزون له أن يقول: حدثني فلان، قالوا: لأن قوله قد أجزت لك أن تروي عني ما صح من أحاديثي قد سمعته فاروه عني.
واعلم أن ظاهر الإجازة هي إباحة الشيخ التحدث عنه والإخبار عنه من غير أن يخبره ولا يحدثه، وهذا إباحة الكذب، وليس له ذلك ولا لغيره أن يستبيح الكذب إذا أبيح له، فإن ثبت أن قوله: قد أجزت لك أن تروي عني إقرار من جهة العادة أنه سمع ما صح عنه، فحكمه حكم المناولة.
واعلم أنا نقلنا هذا الفصل من كتاب شيخنا رحمه الله تعالى كما وجدناه مرسوما في كتابه المسمى (الفائق) من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن السماع على تنوعه أصله العادة والعرف؛ لأنهما يكشفان عن الأغراض، وإن كان الأمر في أصل اللغة خلاف ما نطقا، فكما جاز لنا ننطق ونروي عن الفارسي بالعربية إذا قصد بلفظه الفارسي، كذلك نروي عن الشيخ بأي معنى ودى إلينا العلم بأنه سمع الخبر وأباح لنا روايته عنه كما نجده، سواء كان ذلك من باب قراءته لنا، أو قرائتنا عليه، أو مناولته لنا، أو إشارته، أو إجازته، أو خطه، وهذا يأتي على ما تقدم من التفاصيل، فاسبرها تصب إن شاء الله تعالى.
صفحه ۲۱۲