صفوة الاختيار في أصول الفقه
صفوة الاختيار في أصول الفقه
ژانرها
وأما الذي يدل على جواز نسخ الأخف بالأشق: فلما علمنا من أن الشرائع مصالح، فمتى علم سبحانه أن المصلحة في ورود نسخ الأخف بالأشق وجب في الحكمة إيراده من قبله سبحانه، وقد ورد ذلك في مسألة الصيام؛ فإن الواجب كان صيام يوم واحد وهو عاشوراء، فنسخ بصيام شهر وهو أشق وهو شهر رمضان المعظم زاده الله شرفا، وكذلك كان المكلف مخيرا بين الصيام والإطعام ثم حتم بعد ذلك الصيام وهو أشق، وذلك ظاهر في قوله سبحانه: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة:185]، فنفى التخيير الأول في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة:184]، ولأنه يجوز ورود الأشق ابتداء ولا وجه لجوازه إلا تعلق المصلحة به، وكذلك إذا تعلقت المصلحة به بعد التعبد بالأخف.
مسألة:[الكلام في جواز نسخ الأخبار، والتفصيل في ذلك]
ذهب كثير من أهل العلم إلى أن ورود النسخ في الأخبار لا يجوز، وحكاه شيخنا رحمه الله تعالى عن أبي علي وأبي هاشم وجماعة.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك يجوز، وحكاه عن الشيخ أبي عبدالله رحمه الله والقاضي وجماعة من الفقهاء.
وكان رحمه الله يفصل ويقول: إن كانت الأخبار مما يجوز تغير مخبراتها جاز ورود النسخ فيها، وإن كانت مما لا يجوز تغير مخبراتها كالإخبار بما يجب ثبوته لله سبحانه، ونفي ما يجب نفيه عنه، فإنه لا يجوز ورود النسخ فيما هذا حاله، ويحكى هذا التفصيل عن الشيخ أبي الحسين البصري، وهو الذي نختاره.
والذي يدل على صحته: أن النسخ إنما يرد للمصلحة كما تقدم، فإذا تغير المخبر عنه عن حالته الأولى التي تناولها الخبر الأول جاز أن تتعلق المصلحة بالمخبر عنه بما هو عليه في الحالة الثانية، فيقع كل واحد من الخبرين صدقا.
صفحه ۱۴۷