صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
ژانرها
والغرض الأقصى لي من ذلك أن أشرف على مضمار للخير في مصر بين الأخوين الشقيقين «المسلم والقبطي» تتسابق فيه العزائم، وتتبارى الهمم، لأنظر إلى أية غاية يجري الأخوان المتباريان، وأيهما يحرز قصبات السبق في هذه الحلبة الخيرية، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
تلك سجية فيه عرفتها له مصر فهي ما هزت مواضع الأريحية من أنفس كرمائها إلا رأت ذلك الأمير المحبوب يرتجل الندى ارتجالا، ويرسل مكارمه أمثالا.
وكثيرا ما تقدمت أريحية سموه دعوة الداعين، فأحالت دعوتهم دعاء وثنتهم عن الطلب إلى الثناء.
فإنا لم نكد نسجل للأمير الجليل تلك النفحة التي شمل بها الجمعية الخيرية الإسلامية، حتى ارتجل مبرة أخرى فشمل الجمعية الخيرية القبطية بنفحة ترفع القواعد من بنائها، ولم نكد نفرغ من شكر هاتين المبرتين حتى بدهنا بثالثة لا ينقطع برها، ولا ينقضي شكرها: فإنه لم يكد تمثال «نهضة مصر» يتصل حديثه بسموه، حتى تفضل فتبرع بخمسمائة جنيه مصري من ثمن ذلك التمثال.
ومن مبراته الخالدة التي زادت أواصر الاتحاد متانة، ما تبرع به أخيرا لمدرستي البطركخانة والمشغل البطرسي على أثر زيارته غبطة الأنبا كيرلس بطريرك الأقباط الأرثوذكس، فمنح المدرستين سندات من الدين الموحد لتعطى أرباحها السنوية جوائز لأوائل الناجحين والناجحات منهما، وهكذا غرس يديه الكريمتين يبقى نفعه ما توالى الجديدان.
مكارم يتلو بعضها بعضا، ومبرات يسطع في العصر شذاها، إلا أن مصر التي تقدر كل عامل لها من أبنائها لتحمد للأمير أياديه البيضاء، وتذكر له أنه لم يدع فرصة سانحة للبر بها إلا انتهزها مشكورا، وأن حياته المباركة نجح لكل عمل عميم النفع. وبالجملة فالأمير الذي يزدان به صدر هذا الجزء من كتابنا بإجماع الأمة المصرية أكرم عظماء مصر يدا، وأعمهم ندا، وأرفعهم ذكرا وأجلهم قدرا، وهو بعد صاحب الأيادي العديدة، والأعمال المجيدة والشيم الحميدة، والآثار الخالدة، والسيرة الطاهرة والمناقب الفاخرة، سمو صفات، وجمال ذات، ورأي صائب، ونظر ثاقب وبعد عن الشهوات، وترفع عن الغايات وثبات عند الملمات. واجتهاد وجد، ويمن طائر وسعادة جد، وحياء وكمال، وعلاء وجلال، يشبه سميه سيد المسلمين عمر بن الخطاب في الصلابة في الحق، والثبات على العهد، والميل إلى الجد، ثابت على مبادئه ثبوت الجبال حتى ليس في مقدوره أن يقول ما لا يعتقد أو يعمل ما لا يريد أو يعد فيخلف، أو يحكم فيجحف، صبور وقور، ذو أناة وحلم، لا تنال الملمات من نفسه الكبيرة، ولا يظهر لها أثر عليه، وذلك من عجيب ما أودعه الله فيه من الخلائق فهو نسيج وحده، ووحيد هذا العصر في كرم الخلال، وشرف الفعال فما أجدره بقول القائل:
ولو صورت نفسك لم تزدها
على ما فيك من كرم الطباع
أما العلم والتأليف وهما مما تنبو عنه عادة طباع أهل النعمة والسراء فضلا عن الأمراء، فقد بلغ الأمير فيهما الشأو البعيد والغاية التي ليس بعدها غاية.
وما ظهر إلى الآن لهذا الأمير النابغة من آثار قلمه البليغ باللغتين العربية والفرنسية ودبجته براعته من المباحث الممتعة، وكلها من الطريق الذي لم يكن معروفا قبل يجعل له القدح المعلى في هذا المضمار.
صفحه نامشخص