صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
ژانرها
ثم تغلب العثمانيون بمساعدة العمارة الإنجليزية، وحملة الصدر الأعظم، ودخلوا البلاد وأخرجوا الفرنساويين منسحبين انسحابا قانونيا، وجعلوا يهتمون بتأييد سلطة الباب العالي فيها.
وبعد جلاء الحملة الفرنسية من البلاد المصرية ورجوعها إلى فرنسا، ابتدأت جماعة المماليك تشرئب أعناقها لأن تقبض على زمام إدارة شؤون البلاد، كما أن الباب العالي كان يطمح ببصره إلى طرد المماليك من الديار المصرية، واستئصال شأفتهم، واسترجاعها بعد أن اغتصبت منه مدة من الزمان، فبدأ النزاع بين الباب العالي والمماليك عندما أراد الباب العالي أن يستقل بالسيادة في الديار المصرية، فاستعمل للتغلب عليهم طريقة غير مقبولة فأوعز سرا للقبطان حسين باشا بإبادة جماعة المماليك واستئصالهم عن آخرهم، فاحتال عليهم القبطان حسين باشا، ودعا البكوات العظام من حزب مراد بك إلى معسكر أبو قير بعلة التفاوض معهم في إدارة شؤون حكومة مصر، فكان معظمهم غير مرتاح البال وأوجس خيفة من هذه الدعوة، إلا أنهم تخوفوا إذا تأخروا أن تنزع السلطة من أيديهم، وهذا الأمر الذي حملهم على تلبية الدعوة، وسكن روعهم لقرب معسكر القائد «هتشنسون الإنجليزي»، فقابلهم الباشا المشار إليه آنفا بوجه باش وبكل حفاوة وإكرام، ثم دعاهم إلى ركوب زورق لزيارة القائد الإنجليزي بعلة أنه يريد أن يتفاوض معهم في صيرورة حكومة مصر، ولما بعد عن الشاطئ قليلا لحقه زورق آخر يحمل بعض الأوراق، فاستأذنهم لقراءتها على انفراد، وترك الزورق بمن فيه من المماليك ، فظهر لهم عند ذلك أنه يريد بهم سوءا فأمروا النوتية بالرجوع فامتنعوا وأطلقوا عليهم الرصاص فقتلوا ثلاثة، وجرح عثمان بك البرديسي واثنان آخران، فلما وصل خبرهم للقائد الإنجليزي استشاط غيظا فاعتذر له القبطان باشا بأسباب واهية. وفي الوقت نفسه مثلت الرواية في باقي المماليك الموجودين بالقاهرة، وقد احتمى معظم البكوات «المماليك» بالمعسكر الإنجليزي فيها، فأسعفهم القائد «رمزي» رغم إلحاح الصدر الأعظم في تسليمهم إليه، فكانت هذه الحادثة سببا في إشعال نار الحقد في صدور المماليك، وقد زادها لهيبا تولية «محمد خسرو» مملوك القبطان باشا واليا على مصر في ربيع الأول، سنة 1216ه «يوليو سنة 1801ميلادية» بتوسط القبطان باشا لدى الصدر الأعظم يوسف باشا، بصدور أمر همايوني بتولية المذكور على مصر.
مراد بك أحد أمراء المماليك (توفي بالطاعون بالوجه القبلي سنة 1250ه ودفن بسوهاج بجوار الشيخ العارف).
ويعتبر خسرو باشا الوالي الجديد على الديار المصرية من أشهر رجال الترك في القرن الثالث عشر، وكان ذا حظوة عظيمة لدى السلطان، وقد استحكم الخلاف بينه وبين محمد علي ونال على أثره رتبة «قبي بلوك» فرتبة «سرجشمه»، وأصبح قائدا لأربعة آلاف، ساعيا جهده وراء استمالة رجاله إليه، حتى أجمعت القلوب على محبته وألسنتهم على شكره. فلما أراد خسروا مطاردة المماليك ونزع البلاد من أيديهم وقاوموه مقاومات عنيفة، بعث لهم حملة عسكرية لكبح جماحهم فلم يفلح، فاضطر إلى إمداد جنوده بفرقة محمد علي، ولكن قبل أن تصل هذه الفرقة إلى ميدان القتال تقهقرت الحملة وفشلت، فتوهم قائدها أن أسباب هذا الفشل ورجوعهم القهقرى تأخر محمد علي وفرقته ورفع تقريرا مسهبا لخسرو باشا، فأضمر له الشر وبعث يطلب محمد علي ليلا، فأقبل وأتى إلى مصر موجسا شرا من هذه الدعوة، ودخل إلى القلعة وعلى أثر مجيئه تمرد الجند لتأخير صرف رواتبهم وثاروا وحاصروا الخزانة، ونهبوا وسلبوا القاهرة فاعتصم خسرو باشا بالقلعة، وأصلى العصاة منها نارا حامية، فأراد إذ ذاك طاهر باشا قائد فرقة البانية وعددها (5000) أن يتوسط بين خسروا والعصاة، فأبى خسرو ورفض وساطته فانضم العصاة عليه، ولما لم يجد خسرو لديه حينئذ جندا تحميه ولى هاربا إلى دمياط، وبقى بها ينتظر فرصة يسترد فيها ما فقده.
ولما علم طاهر باشا بذلك جمع رؤساء العلماء وأشراف العاصمة وشاورهم في الأمر، فرضوا أن يكون نائبا عن الوالي عليهم، فأعلن أنه هو الحاكم على مصر حتى يولي الباب العالي خلفا لخسرو باشا، وذلك في صفر سنة 1218ه/مايو سنة 1893م، وكان من سوء طالع طاهر باشا أنه وقع في نفس الحيرة، التي وقع فيها خسرو إذ لم يمكنه دفع مؤخر رواتب الجند. وبعد اثنين وعشرين يوما من قبضه على زمام الأحكام تألب عليه الجند، واغتاله ضابطان هما «موسى أغا وإسماعيل أغا» بعد أن تظلما من تأخير رواتب الجند.
فأصبح محمد علي بعد هرب خسرو وقتل طاهر باشا رئيس الجند غير المماليك من الأرناءوط وغيرهم؛ لأن رتبته في الجيش تلي رتبة طاهر باشا، وقد طمحت نفس أحمد باشا قومندان الضبطية إلى الاستيلاء على مصر، فلم يتوصل إلى أمنيته؛ لأن محمد علي كان اتفق مع عثمان البرديسي وإبراهيم وكلاهما من أمراء مماليك الصعيد على إخراجه من القاهرة، ولما نفذ هذا الاتفاق توجه البرديسي إلى دمياط في 14 ربيع أول سنة 1218ه وأسر خسرو باشا، ولما علمت الدولة العلية ذلك عينت علي باشا الجزائري واليا على مصر، ونزل هذا الوالي الجديد بالإسكندرية في ربيع الأول سنة 1218ه/8 مايو سنة 1803م، فرأى أنه لا يمكنه مقاومة البرديسي ومحمد علي بحد السيف فاتفق معهما ظاهرا، على حين أنه كان يعمل في الخفاء على هدم قوتهما وتكوين حزب وطني مصري يناهض المماليك. ولكن من سوء حظه أن بعض مراسلاته مع السيد «السادات وقعت في يد البرديسي وكان هذا ضيفا عنده»، فاحتال البرديسي في قتله وتم له في شوال سنة 1218ه/يناير سنة 1804م، وكان للمماليك رئيس آخر مع البرديسي يدعى محمد بك الألفي، الذي كان سافر إلى إنجلترا؛ ليطلب منها المساعدة التي تنيله الاستئثار بحكم مصر، فلما عاد منها ووصل إلى ساحل مصر علم أنه لا يمكنه الوصول إلى ضالته إلا بتوحيد قوى المماليك، وجعلهم تحت حماية الإنجليز، وكان ذلك لا يتم له إلا باتحاد مع البرديسي عدوه العنيد وإبراهيم بك الكبير، فلما نزل عند أبو قير قابله أعوانه بكل حفاوة وإكرام. وإذ كان في ريبة من أمر البرديسي اتخذ مسكنه في دمياط، وأصدر الأوامر إلى أتباعه بالاجتماع في ضيعة بالجيزة، ومعهم كل ما يمكن جمعه من العدة والعدد على أن يلحق بهم فيما بعد، إلا أن وصوله إلى الديار المصرية لم يرق في نظر كل من البرديسي ومحمد علي؛ لأن الأول رأى أن من الخطل أن تكون نتيجة خلعه واليين وقتله ثالثا أن يشاركه في السلطة مناظر كان بعيدا عن الديارة المصرية أثناء حربه معهم، وفاته أنه لو اتحد مع الألفي ومع إبراهيم بك لاستعادوا سلطة المماليك في مصر؛ لأن محمد علي غريب عن البلاد وهو وحده لا يقوى على مقاومتهم، ولكن تدبير محمد علي ودهاؤه وسعوده كلها حالت دون اتفاقهم، فاتفق الاثنان على أن يتخلصا من محمد الألفي. وفعلا حاصر محمد علي ومن كان معه من الألبانيين قصره في الجيزة وأخذ أتباعه على حين غرة، وقتل منهم خلقا كثيرا وفر الباقون، أما عثمان البرديسي فصار بجيشه؛ ليفتك بالألفي في طريقه إلى القاهرة فقابله بالمنوفية هو وحاشيته، فأفلت الألفي من يده وهرب إلى سوريا، وأما من كان معه فقتل معظمهم وسلب كل ما معهم من المتاع والمال، وظل البرديسي في القاهرة يتصرف في شؤونها كيف يشاء وضرب على الأهالي الضرائب الفادحة حتى أثقل كواهلهم؛ لكي يصرف رواتب الجند فلم يكن للأهالي طاقة لقبول هذه الضرائب فثاروا ضده، وحملوه على الهرب في عام 1804م إلى سوريا، ولما صفا جو مصر لمحمد علي، ولم يبق فيها سواه أرسل خسرو باشا إلى الأستانة إبعادا، وجمع لديه علماء مصر ومشايخها واستشارهم بتعيين خورشيد باشا حاكم الإسكندرية واليا على مصر، فوافقوه على شرط أن يعينه حاكما للقاهرة، ورفعوا القرار للباب العالي فصدق عليه في 23 محرم سنة 1218ه.
وفي 21 صفر سنة 1229ه عين محمد علي بإرادة سنية حاكما «لجدة»، ولكن أهالي مصر وجنوده أبوا إلا عدم مبارحته لبلادهم، فعينوه واليا على مصر فقام إليه الشيخ الشرقاوي والسيد عمر مكرم نقيب الأشراف وألبساه «الكرك» والقفطان إيذانا بولايته، وكان في يد السيد عمر مكرم أمر العامة في جميع أنحاء مصر لا يعارضون له أمرا، فأيد أمر محمد علي باشا بنفوذه وجاهه أكثر من أربع سنوات تأييدا لم يقم به أحد مثله. وأرسل العلماء رسولا إلى الباب العالي يلتمس العفو عما فرط منهم في حقه، ويرجو اعتماد تنصيب محمد علي واليا لمصر، فعلم السلطان من ذلك مقدار ميل الأهلين لمحمد علي، وأيقن أنه أصبح صاحب الكلمة العالية في مصر، فوافق على تنصيبه واليا عليها في ربيع الثاني سنة 1220ه/يوليو سنة 1805م، ولما علم خورشيد باشا بهذا النبأ سلم له القلعة وتخلى عنها، ولم يمض إلا زمن يسير على تولية محمد علي حتى أقبلت العمارات العثمانية إلى ميناء الإسكندرية في يوم 15 من ربيع آخر سنة 1221ه تقل أمير البحر التركي، يصاحبه «موسى باشا» والي سلونيك يحمل فرمانا ساميا؛ ليكون واليا على مصر؛ لينتقل منها محمد علي ليتولى منصب موسى باشا في سلونيك. فتظاهر محمد علي بإظهار الطاعة لأوامر الباب العالي، ثم ادعى أنه يغادر مصر توا ثم جمع كبار المشايخ والعلماء وبلغهم الأمر. فكتبوا عريضة إلى الباب العالي يلتمسون بها بقاء محمد علي واليا على مصر ورفعوها على يد إبراهيم بك نجله، الذي سافر بها خصيصا إلى الأستانة وقدمها إلى المرجع الإيجابي بمساعدة سفير فرنسا في دار السعادة، فصدرت الأوامر السامية في 24 شعبان سنة 1221ه/نوفمبر سنة 1806م بتأييد محمد علي في منصب والي مصر، وبعد ورود هذه الأوامر بثلاثين يوما أخذ كل من عثمان البرديسي ومحمد الألفي يناوش محمد علي، فقضى على البرديسي في 19 ذي الحجة سنة 1221ه/ديسمبر سنة 1808م، ومات الألفي في ذي القعدة سنة 1221ه/يناير سنة 1807م وبموتهما تفرق أتباعهما أيدي سبا ولم يبق في البلاد المصرية مناظر لمحمد علي ولا معارض البتة، غير أن إنجلترا قد ارتأت بتأييد ولاية محمد علي إجحافا بمصلحتها ومساسا بنفوذها في القطر المصري. فجردت ضده حملة بدد بعضها الأرناءوط عند ثغر رشيد، وحمل بعضها الآخر على الجلاء بعد أن عقدت إنجلترا ومصر معاهدة الصلح في 13 رجب سنة 1222ه/سبتمبر سنة 1807م وذلك بمدينة دمنهور، وكان من نتائج هذه الحملة رضاء الباب العالي عن محمد علي. فمنحه السلطان خلعة وسيف شرف. وأمر بإرجاع ابنه إبراهيم إليه «وكان معتقلا في القسطنطينية»، وقد صار لهذه الإنعامات السلطانية أثر عظيم في توطيد سلطته، إذ كان في هذا الوقت في وجل شديد من جنده حتى إنه استعد للاعتصام بالقلعة إذا تألبوا عليه.
السلطان محمود الثاني (ولد سنة 1785م، وتولى سنة 1808م، وتوفي سنة 1839م).
وفي 5 جمادى الثاني تبوأ السلطان محمود الثاني عرش الخلافة على أثر تنازل السلطان مصطفى، فاستمد محمد علي رضاء الخلف عنه وضم الإسكندرية لولايته، ثم أمره في السنة التالية حيث استفحل أمر الوهابيين في شبه جزيرة العرب، حتى امتدت شوكتهم من الشمال إلى صحراء سوريا، ومن الجنوب إلى بحر العرب، ومن الشرق إلى خليج العجم، ومن الغرب إلى البحر الأحمر، بأن يجمع الجنود ويذهب بهم إلى حيث يشتت عملهم قوة واقتدارا، فصدع محمد علي بالأمر وأرسل ثمانية آلاف مقاتل مع ولده طوسون باشا، ولكن أوجس من المماليك شرا بعد سفر هذه القوة فدعاهم لوداع ولده الذي عين للاحتفال أجلا محدودا، وهو اليوم الخامس وفي شهر صفر سنة 1226ه، فتوافدت وفود المماليك يومئذ إلى القلعة يتقدمهم زعيمهم شاهين بك، ولبثوا حتى إذا سار الموكب والمماليك وراءه محتاطين بالمشاة والفرسان ووصلوا إلى باب القلعة. أمر محمد علي بوصد أبوابها فوصدت، وأشار إلى جماعة من أخصائه الأرناءوط فهجموا على المماليك وحكموا سيوفهم في رقابهم حتى قتلوهم جميعا وعددهم 400، ولم ينجح منهم إلا أحمد بك وأمين بك وبعد وصول حملة طوسون إلى حيث كانت قاصدة قابلها الوهابيون، ثم جمعوا قواهم وعادوا فبددوا شمل الوهابيين، وقد أمدهم محمد علي بكثير من الجند فهجمت على الوهابيين وقهرتهم، واحتلت مكة المكرمة، وفي سنة 1228ه عاود الوهابيون الكرة على حملة طوسون في ترابيا «تراباة» وكانت خسائر هذه الهزيمة عظيمة جدا، حتى إن سعودا زعيم الوهابيين زحف بجيشه على المدينة ثانية وهددها بالأخذ عنوة.
ولما وصل خبر هذه النكبة إلى محمد علي عزم على أن يتولى قيادة الجيش بنفسه فأخذ العدة، وتوجه إلى الأقطار الحجازية. ولما وصل هناك أدى فريضة الحج، ثم علم من بعض الأفراد أن الشريف غالبا مذبذب في ولايته فاحتال في القبض عليه بواسطة طوسون ابنه، وأرسله إلى القسطنطينية حيث قتل هناك بعد مدة وجيزة، وفي أوائل سنة 1229ه/سنة 1814م مات سعود الثاني، وبموته فقد الوهابيون أعظم ساعد وأكبر بطل، وخلفه ولده عبد الله، فعهد هذا بمحاربة المصريين «لأخيه فيصل»، فحاربهم في كثير من الأرجاء ولم يفز من عواقب هذه الحرب إلا بالفشل والخجل. ولما اطمأن محمد علي على ولده من قوة الوهابيين عاد إلى مصر وترك ابنه هناك لإبادة أعدائه وخصومه، فوصل القاهرة في 4 رجب سنة 1230ه/سنة 1815م، وخصوصا أنه اتصل به هرب نابليون من منفاه في «ألبا»، فرجع عن طريق الأقصر، فقنا، فالقاهرة، وعلم له أيضا بتدبير مؤامرات على عزله وقتله، فظن أن ذلك بإيعاز من رجال الباب العالي. أما رئيس المؤامرة فهو «لطيف باشا» أحد المماليك، وكشف سر هذه المؤامرة الفظيعة «الكخيا لاظ أوغلي باشا»، فقتل لطيفا ومن معه بعد أن حاول الهرب والاختفاء، وكان غرضه أن يكون واليا على مصر إذا نجح في قتل محمد علي، وعند عودة محمد علي هم بتنظيم جيشه على الطراز الغربي، وفي خلال ذلك رجع ولده طوسون ناجحا، ولكنه لم يصل ثغر الإسكندرية حتى توفاه الله عقب مرض لم يمهله أكثر من عشر ساعات.
صفحه نامشخص