صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
صفوة العصر في تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر
ژانرها
ولد المرحوم السلطان حسين كامل بمدينة القاهرة في 19 صفر سنة 1270ه، الموافق 21 نوفمبر 1853 وهو ابن المرحوم إسماعيل باشا خديوي مصر الأول ابن البطل المغوار إبراهيم باشا والي مصر، ابن ساكن الجنان محمد علي باشا رأس هذه الأسرة المالكة.
كان مولد السلطان حسين في مدة ولاية عباس باشا الأول في سنة 1861م، وكان والده إسماعيل باشا رئيسا لمجلس الأحكام الأعلى في ولاية المرحوم سعيد باشا، فأنشأ مدرسة بسراي المنيل لأنجاله الثلاثة وهم صاحب الترجمة (الذي كان قد بلغ السنة الثامنة من العمر)، وأخواه المرحوم توفيق باشا والمرحوم حسن باشا، واختار من أبناء أعيان مصر وسراتها سبعين تلميذا أدخلوا هذه المدرسة مع الأنجال الكرام، فتعلموا القراءة والكتابة ومبادئ اللغات الحية والعلوم النافعة، وفي سنة 1963 آلت ولاية مصر إلى والده إسماعيل باشا فجلس على أريكتها، فاهتم بتلك المدرسة ونقلها إلى القلعة فاستمروا في الدراسة فيها، حتى فتحت المدارس الأميرية، فنقلوا إليها وصحبهم في الدراسة البرنس طوسن باشا والبرنس إبراهيم أحمد باشا، وظهرت على صاحب الترجمة مخايل النجابة، وبوادر النبوغ، فأمر الخديوي إسماعيل أن ينقلوا إلى سراي نمرة 3 بإسكندرية، وعين لهم «الميرالاي جابر»، الذي كان من ضباط أركان حرب فرنسا لتهذيبهم وتثقيف عقولهم ونمو أفكارهم ومداركهم، وفي سنة 1827 كان الخديوي إسماعيل قد ذهب إلى الأستانة للمفاوضة في الشؤون المصرية، فسافر إليها صاحب الترجمة مع أخيه حسين باشا لمقابلة والدهما هناك، واستمرا فيها شهرا ثم رغب والدهما أن يسافرا معا إلى باريس، وأمر المرحومين مراد باشا غالب ومحمد زكي باشا التشريفاتي أن يكونا بمعيتهما، ثم سافر البرنس حسين لطلب العلم بجامعة أكسفورد، واستمر السلطان حسين بباريس ومعه الميرالاي أركان الحرب كاستكس للقيام بشؤونه وإرشاده، وكان ذلك في عهد نابليون الثالث إمبراطور فرنسا الذي كان صديقا حميما للمرحوم إسماعيل باشا، فاهتم الإمبراطور بنجل صديقه، وأنزله في قصره مع الإعزاز والإكرام حتى جعله عشيرا لنجله وولي عهده مدة سنتين، وفي سنة 1869 حضرت الإمبراطورة أوجيني إلى مصر إجابة لدعوة إسماعيل باشا؛ للاحتفال بفتح قناة السويس، فعاد السلطان حسين إلى مصر، وجعله والده مهمندارا في معيتها، ومعه المرحوم رياض باشا، وبعد انتهاء الاحتفال سافر بمعيتها إلى الوجه القبلي حتى بلغت كروسكو.
ثم عاد إلى باريس وفي أثناء عودته كلفه والده بقضاء مهمة في فلورنسا عاصمة إيطاليا حينئذ، فنزل ضيفا على ملكها عمانوئيل جد ملكها الحالي، وكان بمعيته في تلك المهمة مصطفى باشا فهمي وتونينو بك وغيرهما من رجال المعية السنية، ثم وصل إلى باريس لإتمام دروسه وأقام بها إلى أن قامت الحرب السبعينية بين فرنسا وألمانيا، فخرج من باريس قبل حصارها بعشرة أيام، وعاد إلى مصر فعينه والده مفتشا للأقاليم بالوجهين البحري والقبلي، فاتخذ المرحوم حسن باشا راسم وكيلا له على الوجه البحري، والمرحوم محمد سلطان باشا وكيلا في الوجه القبلي، وجعل إقامته في مدينة طنطا فأقام بها مدة عشرين شهرا مهتما بجميع أعمال الحكومة خصوصا العمليات التي كانت جارية على قدم وساق؛ لإنشاء الترع الجديدة وتطهير الترع القديمة، وإقامة الجسور وما أشبه ذلك من المنافع العمومية، ثم تعين بعد ذلك ناظرا لثلاثة دواوين وهي الأوقاف والمعارف والأشغال العمومية، وعين المرحوم عبد الله باشا فكري وكيلا له في نظارة المعارف وعلي باشا مبارك مستشارا له فيها وحسن باشا المعمار وكيلا له في نظارة الأوقاف، وكانت نظارة الأشغال وقتئذ مكلفة بأعمال جسيمة، منها إنشاء الترعة الإسماعيلية وليمانات السويس والإسكندرية وغيرها من الأعمال العظيمة، التي قام بها خير قيام، وفي عهده أنشأت نظارة المعارف مدرسة دار العلوم التي كان عليها المعول في نشر العلوم والمعارف وتخريج الأساتذة الجهابذة، الذين عم فضلهم سائر البلاد المصرية، وفي عهده أيضا تأسست أول مدرسة للبنات بالسيوفية، وأقبل التلامذة على التعليم وطلب العلوم خير إقبال بفضل ما بثه في النفوس من روح الجد والاجتهاد والحمية والغيرة، حتى إنه جعل جوائز عظيمة تعطي للناجحين والمجتهدين، وتقلب في إدارة تلك النظارات مدة، ثم تعين ناظرا للداخلية، وكان المرحوم أحمد باشا رشيد مستشارا لها، ثم تعين ناظرا للحربية والبحرية والأشغال العمومية، وعين المرحوم علي باشا غالب وكيلا له في الجهادية، وفي ذلك العهد دخلت الجهادية في النظام الجديد، وتشكلت الفرق الجديدة من العساكر السودانية، وعم الإصلاح جميع جزئياتها وكلياتها حتى صار للعسكرية شأن عظيم ومجد رفيع، وغير القوانين العسكرية القديمة، ووضع لائحة معاشات الجهادية، ووجه عنايته إلى جميع طرق الإصلاح وأحكام نظام الجندية نظرا إلى الفتوحات الواسعة التي كانت الحكومة المصرية تفتحها في ذلك الوقت في جهات بحيرة فكتوريانينزا، وبلاد النيام نيام بالسودان، وجهات دارفور وهرر وما يليها وغير ذلك من الفتوحات التي اتسع بها ملك مصر؛ حتى عم بلاد الصومال، وامتد الحكم على شرق أفريقيا وغربها؛ لأن والده المرحوم إسماعيل باشا كان قد رسم خطة لفتح جميع بلاد السودان، قبل أن تسبقه دولة أخرى إليها، وكان عازما على فتح بلاد وداى كما فتح دارفور، وأن يصل إلى حدود طرابلس الغرب؛ لتصير مصر دولة عظيمة السلطان باتساع أراضيها وكثرة سكانها في أفريقيا.
فضلا عن أن نظارة الجهادية المصرية أرسلت فرقا من جيوشها لمساعدة الدولة العلية في حربها مع السرب سنة 1875، وأرسلت مددا عظيما للدولة أيضا في حربها مع الروسيا تحت لواء البرنس حسن باشا أخيه.
ومن الأعمال النافعة التي تمت في عهده إنشاء سكة حديد حلوان من ميدان محمد علي إلى مدينة حلوان، وتأسيس مدارس الأحداث العسكرية التي دخلها أكثر من أربعة الآلاف تلميذ من أولاد الضباط، وأنشأ أيضا طابور الخطرية من أبناء الذوات والأعيان.
وفي سنة 1873م أقام المرحوم إسماعيل باشا الخديوي لأنجاله الأفراح، التي سارت الركبان بأوصاف بهائها وفخامتها إلى أقاصي البلدان احتفالا بقران الأمراء الثلاثة، وهم صاحب الترجمة وأخواه الأميران توفيق وحسن، ولا عجب فإن أفراح الملوك ملوك الأفراح، وسمي بعض الشوارع باسم شارع أفراح الأنجال، ولا يزال بهذا الاسم إلى الآن، ومما زاد الاحتفال بهجة أن الأنجال الثلاثة نالوا رتبة الوزارة في هذه الأثناء.
ومما اتفق في سنة 1874م أنه علا فيضان النيل حتى زاد عن 26 ذراعا بمقياس الروضة، فكان سمو الأمير حسين في ذلك الوقت يتجافى عن المضاجع؛ حرصا على وقاية البلاد من الغرق ووضع آلات التلغراف في غرفته الخصوصية، فكان يصدر الأوامر تترى إلى الجهات، وكانت جهات مصر القديمة والقصر العيني والقصر العالي وغيرها على وشك الخطر، لولا عناية الأمير بإقامة الجسور وتقويتها على ضفاف النيل في كل جهة.
وفي سنة 1875م لاحت بشائر مولد الأمير كمال الدين حسين، وفي هذه السنة تعين سموه ناظرا للمالية المصرية، وتعين على نظارة الداخلية أخوه المرحوم توفيق باشا، ثم خرج كلاهما من الوزارة بسقوط وزارة شريف باشا، وفي 25 يونية سنة 1879 أقيل الخديوي إسماعيل من خديوية مصر، فسافر معه نجلاه الأميران حسين وحسن إلى نابولي بإيطاليا، وأقام معه صاحب الترجمة أكثر من ثلاث سنوات ، ثم عاد إلى مصر بعد انتهاء الثورة العرابية واجتهد في تسوية الخلاف، الذي كان قائما بين الحكومة وأفراد العائلة الخديوية والمشاكل بشأن استبدال مرتباتهم بأطيان من أراضي الدومين، وأدار حركة هذه الأطيان كلها وبذل عنايته في صلاحها وتوسيع نطاق الزراعة فيها؛ ولكفاءته المعهودة ولشغفه بالزراعة وجه اهتمامه إلى استئجار الأطيان الواسعة من مصلحة الدومين وغيرها، وتولى زرعها وضمها، وفي سنة 1889م انتدبه أخوه الخديوي توفيق لمقابلة الملك أدوارد السابع لحين حضر إلى مصر وهو ولي عهد بريطانيا العظمى، كما انتدبه سنة 1890 لمقابلة القيصر نيقولا الثاني عند قدومه إلى مصر وهو ولي عهد دولة الروسيا، وكان له رحمه الله اليد الطولى في إدارة حركة الزراعة، وبث الرغبة فيها وإنمائها، ورأس جملة جمعيات أجنبية ومصرية منها شركة سكة حديد الدلتا والشركة البلجيكية وغيرها، وأفرغ الجهد في تأسيس الجمعية الزراعية، ومنها تولدت فكرة إنشاء وزارة الزراعة، وهو الذي أنشأ المعارض الزراعية في القطر المصري، ففتح أول معرض للأزهار بحديقة الأزبكية بمصر وحديقة طوسن بإسكندرية سنة 1896، ثم وسع نطاقه فعمم الأزهار في جميع المزروعات والمحصولات، ثم في معرض سنة 1898 أضاف إليه الحيوانات من مواش ودواب وطيور، وخصص له مكانا في الزمالك فصار معرضا زراعيا عموميا، وبجليل مساعيه بنى له المكان الخاص به في الجزيرة، وفتح هناك معرض سنة 1900 شاملا لجميع المحصولات على اختلاف أنواعها والمواشي والآلات الزراعية، وأضيفت إليه المصنوعات الوطنية المرتبطة بالزراعة، فصار بذلك معرضا زراعيا صناعيا معا، وكان يرسل في كل معرض أزهارا وأشجارا وغيرها من أجمل وأكمل ما يعرض فيها.
ويستثنيها من المعروضات الطالبة للجوائز ترغيبا للناس في اتقان زراعتهم ومباراتهم له في العناية والإتقان، وله الفضل الأكبر في إنشاء المدرسة الصناعية بدمنهور بالاكتتاب الذي تم تحت رياسته.
وبالجملة فقد حصر همته في ترقية الشؤون الزراعية والاقتصادية، فزاد عدد أعضاء الجمعية من كبار المزارعين زيادة عظيمة، وصار يتنقل في البلاد الأوربية كإيطاليا وفرنسا وبلجيكا باحثا عن كل ما يعود على الفلاح المصري بالخير والإسعاد، ثم وجه عنايته إلى إنشاء النقابات الزراعية للتعاون والتعاضد بين جميع طبقات المزارعين؛ لإصلاح شؤون زراعتهم حتى لقبه جميع الناس بأبي الفلاح ونصير الخير والفلاح، ثم عينه الخديوي في سنة 1909 رئيسا لمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وظل في رياستهما إلى أن عرضت مسألة إطالة امتياز قناة السويس، وإشراك مصر في أرباحها، فأبت أكثرية الأعضاء الموافقة على هذا الاقتراح، واشتد النزاع فاستعفى وقتئذ من الرياسة، ولكنه لم يفتر عن خدمة وطنه فالتفت إلى الجمعية الخيرية الإسلامية، وكان قد تقلد رياستها منذ أعوام فبذل عنايته في ترقية شؤونها، وكذلك جمعية الإسعاف لتخفيف آلام المصابين، وكان لا يكاد يوجد عمل خيري أو مشروع اجتماعي إلا وله فيه اليد البيضاء والهمة الشماء. وفي 19 ديسمبر 1914 جلس على أريكة السلطنة المصرية، ودعي بالسلطان حسين كامل الأول خلفا لابن أخيه عباس حلمي الثاني خديوي مصر؛ لتخلفه في الأستانة العلية لأمور سياسية تختص بالحرب الأوربية العامة، فقبض السلطان حسين على زمام السلطنة المصرية التي هي تراث جده الأكبر، وأزال الارتباكات المعلومة التي كادت تعود على البلاد بالوبال والخذلان، ونظر في أمور الرعية بعين الحكمة والسداد، واستبشر الناس فرحا ومسرة بهذا الجلوس السعيد، وصار الشعراء والبلغاء يتبارون في صوغ قلائد التهاني ودرر المدائح، وتوافد على سراي عابدين وفود المهنئين أفواجا وزمرا من كل صواب، وأقسم بين يديه الوزراء ورجال الحكومة يمين الإخلاص والطاعة والولاء لذاته الكريمة، ثم أخذ ينظر في شؤون البلاد بكل روية وخبرة ودراية رغما عن حوادث الحرب الأوربية الكبرى، التي عمت مصائبها واشتعلت نيرانها في أرجاء المعمورة، فأصلح شأن التعليم واهتم بتعليم البنات، وأكثر من إنشاء المدارس لتربيتهن وتهذيبهن؛ لأنهن أمهات رجال المستقبل، واعتنى بالأحوال الإدارية المالية والزراعية، وكل ما يعود على المصريين بالخير في هذه الأوقات العصيبة خصوصا ما يتعلق بتوطيد الأمن العام، فرفرفت رايات الطمأنينة على البلاد، ورفل أهلها في حلل الهناء ورتعوا في ميادين السعادة والمنى.
صفحه نامشخص