وتسمرت قدماي لحظة، ودار برأسي الموقف كله منذ وقفت السيارة، وطاف بمخيلتي هذا السؤال: أكون أنا كبش الفداء لعودتها في هذا الوقت المتأخر؟ ماذا يقول حسين حين أصعد معها الآن؟ وهل هو؟ ...
ولكنني لم أكد أتم خاطري، فقد قالت: هل تخشى ألا تجد حسين؟ إنه لا يتأخر حتى في مثل هذه الساعة، أراهنك على أنه جالس الآن إلى أحجار النرد يلاعب نفسه ... كالمجانين ...
وضحكت ضحكة أسكرتني عن الموقف كله ... وسحبت يدي في إصرار وتبعتها أنا ... تبعتها لأرى حسين كما قالت تماما ... ورفع حسين رأسه ونظر إلي متهللا ودعاني إلى الجلوس ... لألعب معه عشرة طاولة.
وسرت أنا كالمذهول وجلست أمامه وانتظرت عتاب الزوج للزوجة العائدة عند منتصف الليل تقريبا، وأدركت ما يجب علي أن أقوله حين تزعم مثلا أنني قابلتها عند منزل خالتها، وأوصلتها بسيارتي، ولكن انتظاري ذهب عبثا ... فقد قال حسين، وليس في صوته أثر للغضب، بل لعله يفيض حنانا وانكسارا: أعجبتك السهرة؟
وأجابت دون تردد: أجل كانت لطيفة ... الذي لم يكن لطيفا هو صاحبك هذا ... فقد رأيته الآن يسير أمام العمارة دون أن يفكر في الصعود ليشارك صديقه في كأس من الوسكي، أو عشرة طاولة ...
وأدهشني صدقها الجريء الذي لم أكن أتوقعه ... أدهشني حتى صباح اليوم التالي ... اليوم الذي زالت فيه دهشتي، ونزل الستار على القصة ...
إنك تذكر بلا شك يوم طرد حسين إقبال من منزله، ويوم لجأت إلى أصدقائه ، وتذكر أن هؤلاء الأصدقاء كانوا ثلاثة؛ أحدهم الدكتور مراد الذي وصف تركه لها بعد أن خرج بها من أسرتها ومدرستها نذالة تجرده من رجولته ... إن الدكتور مراد نفسه هو الذي يروي لي أحداث الفصل الثالث الأخير ... يرويها لي في إسهاب ... يقص علي كيف أصبح حسين اليوم متيما بإقبال متهالكا على إرضائها؟ وكيف أصبحت إقبال تضيق بهذا الحب؟ تتدلل على حسين وتسخر به، ويمضي الدكتور مراد، فيروي أكثر من هذا من مغامرات إقبال مع أناس لا يعرفهم حسين، ومع ذلك فهم مدعوون إلى داره في كل مأدبة يقيمها، وما أكثر ما يقيم حسين، أو إقبال على الأصح، من مآدب! ومغامرات أخرى مع بعض أصدقاء حسين أنفسهم ... ولعل صاحبنا الذي رأيته يوصلها تلك الليلة بسيارته هو آخر تلك المغامرات ...
ظل الدكتور مراد يروي لي من هذه القصص حتى أحسست أنه لم يبق من أصدقاء حسين من لم يغامر مع إقبال إلا أنا والدكتور مراد ...
وكانت كل مغامرة لإقبال ترتبط على الرغم مني بإحدى مغامرات حسين التي عفا عليها الزمان ...
وانتهى مراد من أقاصيصه.
صفحه نامشخص