وأجابت سامية بانفعال وبلهجة لعلي لم أسمعها منها من قبل ذلك اليوم: مين؟ خديجة المفعوصة ... اللي كانت ...
ووصفتها بأوصاف تتشابه مع أوصافها هي - حين عرفتها - وأخذت تذكر زمالتها لها فترة من حياتها، حياتها الماضية التي طوتها، وطهرتها في بيت الزوجية ... وكنت أنا أتوقع أن تجيب على سؤالي بأنها لا تعرفها، فأقص عليها قصة حبي القديم مع هذه الحسناء حين كانت فتاة فيها كل جمال البراءة والصبا، تقنع بالنزهة على شاطئ النيل السعيد، لكنني آثرت أن أسكت، وأنا أدفن حديثي في أعماق نفسي.
وسرت مع سامية حتى مقاعدنا التي وصلنا إليها بمشقة لانهماك الناس في استقبال القادمة الحسناء بطلة الفيلم ... وصديقة المليونير الذي يتربع على عرش من عروش الصناعة والمال، ولم أصفق أنا مع الجمهور، ولم تصفق سامية، وكانت لدينا أسبابنا القوية لهذا الإعراض عن تحية النجمة الفاتنة، أما أنا فقد كنت مؤمنا أشد الإيمان بأن هذه النجمة اللامعة ... كانت أعلى مكانا، وهي تجلس إلى جانبي على شاطئ النيل ... وأما سامية ... فلم أدرك ساعتها حقيقة مشاعرها ... وإنما أدركتها بعد ذلك بأيام، أدركتها حين عدت إلى المسكن ظهر أحد الأيام، ولم يكن قد مضى شهر على عيد زواجنا فوجدت غدائي معدا، وسامية قد غادرت المنزل بعد أن تركت لي رسالة قصيرة تطلب مني فيها الطلاق لأنها لم تعد تطيق هذه الحياة.
إنكم تتحركون كأن القصة قد انتهت، ولكنها لم تنته بعد، فهذا هو الفصل قبل الأخير، وهو أطول فصول القصة؛ إذ إنه استغرق عاما.
أما الفصل الأخير فهو قصير جدا، إنه أقصر مما تتصورون، ولست أنا الذي أرفع عنه الستار، إن ذلك ليس عجيبا في القصص القصيرة حين ندعي القدرة فنمد فصولها ونوسعها لنخلق منها قصة طويلة، فكثيرا ما يحصل أن نرتبك، ونقف قبل النهاية حائرين حيرة أبطال القصة لا يدرون ماذا يفعلون ... إن القدر نفسه يرفع الستار عن الفصل الأخير، ويحظى وحده بإعجاب الجماهير، أو سخطهم على حد سواء ... ويرفعه ذات مساء من هذا الصيف ... أي بعد أربعة عشر عاما من بداية القصة، وفي أحد الأكشاك الخشبية، ليس على شاطئ البحر، فقد أحالت يد الأيام أكشاكه الحقيرة المتناثرة إلى صف أنيق ... إن الفصل الأخير في كشك خشبي حقير في الناحية الأخرى من الشاطئ عند الأنفوشي ليس كشك استحمام ... وإنما مسرح متواضع يؤمه الأطفال والرجال ليقزقزوا اللب، ويتفرجوا على راقصة بدينة، ورواية مضحكة، ورواية محزنة أيضا يموت فيها كل الممثلين ... وفي هاتين الروايتين تظهر سامية في دور صغير.
وسكت عبد الرءوف ... ونهضنا لنستنشق الهواء ... ولاحت لنا من شرفة الشقة في البناية المرتفعة في ستانلي حيث يقيم عبد الرءوف وأسرته، لاحت لنا سلسلة الأضواء الممتدة على الكورنيش حتى الناحية الأخرى من الشاطئ، وقال عبد الرءوف، وهو يشير إلى هناك: آه! هناك يا أستاذ، سامية، لقد عادت إلى الكشك الخشبي الحقير، ما أعجب ما ينهي القدر بعض الأقاصيص.
وتحركت السفينة في هدوء
كان زواجي بك سيكون مغامرة ... أدمر فيها بيتا، ولا أربح شيئا. ***
الفصول تمر بسرعة ... فيها كل أحداث القصة الغرامية ... من النظرة الأولى إلى اللقاء الأخير ... كل ما ينقص القصة أن يقف البطل مادا يديه إلى الهواء في حرارة ليقول: الوداع يا حبيبتي ... الوداع إلى الأبد ...
ثم ينزل الستار ويصفق الجمهور ... أو تشير البطلة إلى الباب، وتصيح بالبطل الغادر في صوت تشوبه غضبة العفاف الجريح قائلة: أخرج عليك اللعنة، فيخرج البطل مطأطئا رأسه مشيعا من النظارة بلعنات تفوق لعنات البطلة ... ولا يكاد ينفلت من الباب حتى تدوي القاعة بالتصفيق، وصيحات الاعجاب.
صفحه نامشخص