ويقرأ هو من جديد خبر النعي في رأس العمود الثاني من صحيفة الصباح، ويقف بصره لحظة عند عنوان الفقيد ...
الجواد الذي خسر
كان في الميدان كالجواد العجوز لم يكد يسير خطوات ... حتى لهث ... ***
المقدمة القصيرة التي تسبق هذه القصة هي أنه كان صديقا للسيدة أفكار منذ خمسة عشر عاما ... وقد نشأت صداقتهما في وقت كانت فيه أفكار غانية حسناء، يتهافت على جمالها عشرات الشبان الأغنياء والصعاليك على حد سواء.
وكان أحسن ما تميزت به أفكار هو قدرتها العجيبة على الاحتفاظ بالمعجبين بها وترتيبهم حسب أهميتهم بحيث لا يحس واحد منهم أن هناك سواه في أفق حياتها ... هذا فيما يختص بالأغنياء.
أما الصعاليك فكانت أفكار حريصة عليهم أيضا ... حريصة على أن تبقى ما بينها وبينهم من مودة مع تعديل بسيط كانت تجريه بنفسها.
كان كل منهم يبدأ عاشقا متيما مشبوب العواطف، وينتهي صديقا هادئا ... صديقا فخورا بأنه موضع سر أفكار ومستشارها الأمين.
وكانت أفكار تبتكر المشاكل والمتاعب ... المشاكل والمتاعب الوهمية لكل من هؤلاء الأصدقاء ... فإذا ما اختلت بواحد منهم فتحت له صدرها وقلبها، وأخذت تبسط له مشاكلها ومتاعبها طالبة إليه النصح والرأي؛ لأنه - أي واحد منهم - موضع سرها، وليس لها غيره تسأله الرأي.
وكان هو أحد هؤلاء ... الصعاليك ...
حينما عرفها كان طالبا بالسنة النهائية بكلية التجارة، ولم يكن وحده، بل كانوا ثلاثة وقعوا في هواها دفعة واحدة وفي يوم واحد، أحدهم شاعر، والثاني رسام، وهو ثالثهم ... وكانت الليلة عيد ميلاد أفكار، وقد دعاهم صديق من زملاء الدراسة الأغنياء ... كان يقوم بدور الممول في حياة أفكار إذ ذاك.
صفحه نامشخص