وسأل أحد أصدقائه، وكان من المترددين على سباق الخيل، عن الطريقة التي يراهن بها الناس، وأعطاه صديقه عنوان مكتب للمراهنة، وأوصاه أن يراهن على جياد أخرى إن أراد المراهنة ساخرا من فكرة احتمال فوز أحد الجياد الأربعة التي يحمل أسماءها ...
إنه ليذكر ما داعبه من أحلام تلك الليلة ... لقد حلم أنه عثر على كنز ثمين في صندوق من الذهب، وأنه اشترى لزوجته خديجة ثيابا فاخرة، واشترى قصرا له حديقة غناء، وصحا من نومه، وما زالت في رأسه صورة من الحلم السعيد، صحا مبتهجا، وارتدى ملابسه مسرعا، وهرع إلى دكان عم محمود، كان الرجل قد فتح حانوته، وأخذ يراقب صبيه، وهو ينظف أثاثه، وتلقاه محمود بالترحيب، وسلسلة من التمنيات الطيبة، ودعاه لكي يشاركه في شاي الصباح، ولكنه اعتذر بعمله، ومد يده في جيبه فأخرج الورقة، وتحسس محفظة نقوده فتبين أنه نسيها في البيت، فمد يده بالورقة لعم محمود، وسأل عم محمود في حيرة، وقد أمسك بالورقة: ماذا أفعل بها؟
قال: بخمسين قرشا تدفعها مناصفة، فلقد نسيت حافظة نقودي في البيت.
لقد نسيت حافظة نقودي في البيت .
وقال محمود: لا عليك من نسيان الحافظة، لكني أنا لا أراهن أبدا. - إذن، ادفع خمسين قرشا، وسأعطيها لك بعد الظهر.
وحاول عم محمود أن يثنيه عن عزمه، وأساء هو الظن بهذه المحاولة ... ظنه يضن بهذا القرض الضئيل الذي سيرده إليه بعد ساعات، وسكت محمود على مضض، ووعد بأن ينفذ له ما أراد ...
وجلس في مساء اليوم التالي يتناول العشاء مع خديجة في مطعم أنيق، ويقص عليها ما حدث، وقالت خديجة: أما كان يجدر بك، وقد ربحت مائتين وخمسين جنيها أن تعطي لمحمود هذا جنيهين على الأقل؟ ألم يقرضك ثمن تذكرة الرهان؟!
وأجابها محتدا: هذا رجل معتوه ... لقد كنت حائرا في أمره منذ مدة، أما اليوم فقد أدركت أنه مغفل كبير يرفس النعمة بقدميه، لقد عرفت أن الجياد قد ربحت قبل أن أراه، ومع ذلك فقد سألته إن كان يشاركني في التذكرة فرفض رفضا باتا، وألححت عليه ممنيا إياه بالربح، ولكنه رفض ... رفض المعتوه، وقال في حزم: «ولو قلت لي إنها ربحت ألف جنيه، وسألتني بعد ذلك أن أشاركك في الربح لرفضت أيضا.»
وسكت لحظة، ونظر إلى خديجة مستطردا: إن ما غاظني من هذا المعتوه أنه لم يبد أي اهتمام حتى بعد أن صارحته بأن التذكرة قد ربحت مائتين وخمسين جنيها، بل قال في برود «ربنا يكفيك شرهم.» وحاولت أن أعطيه خمسة جنيهات فرفض، وكأنني أمد يدي بجمرة من النار قائلا: «لا يا أستاذ، أعطني الخمسين قرشا، وغيرها لا أقبل مليما.»
إن الأيام لتمر سريعا ... خمسة أيام مرت كالحلم منذ ربح الرهان، ويأتي يوم السبت ... ويتناول غداءه مسرعا، ودون أن يخلع ثيابه، وتسأله خديجة عن سر عجلته فيجيبها في اقتضاب: حتى لا يفوتني أول شوط، لقد أعطاني عبد المجيد جوادين مضمونين في الشوط الأول ...
صفحه نامشخص